نفى السفير خالد موسى الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية، أن تكون الدبلوماسية السودانية قد فشلت في خلق علاقات متميزة مع المجتمع الدولي وخاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية رغم اتفاق السلام، مشيراً إلى أن اتفاق نيفاشا قد تم بإرادة وطنية بدون ضغوط حسبما قال، والأصل فيها هو تحقيق السلام ووقف نزيف الدم ومنح شعب الجنوب خياراته كاملة لتحديد مستقبله السياسي، وأضاف السفير في حوار أجرته معه (آخر لحظة).. أن مسألة العقوبات الأمريكية قضايا سياسية هدفها تقديم المزيد من التنازلات لصالح الجنوب، نافياً في ذات الوقت الاستجابة للتنازلات السالفة إلا أنه اعترف بأن الضغوط قد أثرت على السودان بالفعل وأضاعت عليه الكثير من الفرص، حيث أعطى ذلك مبررات إضافية لحركات دارفور لتستمر في القتال بسبب الإشارات السالبة الصادرة من المجتمع الدولي مما أدى لطول أمد الحرب في دارفور، وكان أن تطرق الحوار بالتفصيل لأسباب تراجع العلاقات الأمريكية السودانية وتأثيرها على مختلف الملفات العالقة مثل دارفور وأبيي والعلاقة مع حكومة الجنوب ومستقبل ذلك.. فمعاً لمضابط الحوار: بداية سعادة السفير هناك تناقض في الموقف الأمريكي تجاه السودان، فرغم الوعود بحذف اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، إلا أن هناك تقريراً أبرزته الخارجية الأمريكية يفيد بوجود انتهاكات بشأن الحريات في السودان، وهذا ما يتناقض مع مساعيكم وفي ذات الوقت أنتم قللتم من التقرير رغم أنه صادر من جهة مهمة.. ما قولك؟ - أولاً الحديث تحديداً حول تقرير المفوضية الأمريكية حول الحريات الدينية، فتكوين هذه المفوضية قائم بين وزارة الخارجية وحزبين، الحزب الديمقراطي والجمهوري.. وبالتالي ظلت اللجنة الأمريكية للحريات الدينية تصدر تقارير منذ عام 1990 وظلت تتحامل على السودان منذ ذلك الوقت، وبالتالي تقرير هذا العام ليس جديداً وظل يحتوي دائماً على معلومات مغلوطة لا تمثل الواقع في السودان ولا تعترف حتى بالتحسن الذي طرأ على الحريات الدينية في بلادنا بالذات بعد اتفاقية السلام الشامل التي تعتبر خطاً فاصلاً بين التاريخ الماضي واتفاقية السلام الشامل، وللتدليل على هذه القضايا وعدم الواقعية في التقرير.. فهو يشير مثلاً إلى أن الحكومة وبعض المؤسسات السياسية والحكومية في السودان تمارس تعسفاً ضد المسيحيين في إعطائهم مثلاً ساعات العبادة يوم الأحد، ومن المعلوم أن قوانين الخدمة المدنية والأعراف السائدة في السودان تعطي المسيحيين يوم الأحد إجازة لممارسة شعائرهم الدينية وصلواتهم، فهذا حق مكفول، كما تشير أيضاً إلى المسائل الخاصة فتقول مثلاً إن قانون النظام العام يفرض الحجاب على جميع نساء السودان في الأماكن العامة، وهي فرية غير حقيقية، لأن القوانين السودانية تشترط الحشمة فقط وليس زياً محدداً كالحجاب أو غيره، هذا بالإضافة إلى أن التقرير يتدخل في صميم المعتقدات الدينية والخيارات العقدية لأهل السودان مثل الإساءة للأنبياء والردة.. وهي قضايا من حق الشعب السوداني أن يختار طوعاً توجهاته العقدية، وبالتالي هذا تقرير ظالم غير موضوعي، هذا إضافة إلى أنه يستمد معلوماته من مصادر ذات توجهات معادية للسودان طيلة الفترة الماضية، والأهم من ذلك أن هذا التقرير سياسي في المقام الأول وقصد منه ممارسة ضغط سياسي ويعتبر أداة سياسية للضغط على الحكومة السودانية، ومثل هذه التقارير تصدر من جهات عديدة في الولاياتالمتحدة، وما يهمنا في علاقتنا معها هي التوجهات والسياسات والقرارات التي يعبر عنها الجهاز التنفيذي في أميريكا.. والإدارة الأمريكية نفسها وعدت وعداً قاطعاً برفع العقوبات ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهناك بعض التوجهات الإيجابية في هذا الصدد آخرها رفع بنك الخرطوم من قائمة الحظر التجاري بواسطة وزارة الخزانة الأمريكية، وبالتالي لا تزعجنا كثيراً مثل هذه التقارير لأنها ظلت منذ وقت مبكر جداً حوالي عقدين من الزمان، تصدر مثل هذه التقارير.. ولكن نحن نظن أن الإدارة الأمريكية حتى الآن لا تستطيع أن تقول صراحة أن هناك تقدماً ملحوظاً ومضطرداً ولكن هناك مؤشرات إيجابية ونحن نطالب الولاياتالمتحدة الالتزام بعهودها ووعدها للشعب السوداني وحكومته برفع العقوبات ورفع اسم السودان من القائمة، وتحسين العلاقات الثنائية بين الدول يمر بأطوار ومراحل متعددة ونحن لن نيأس من المطالبة بحقنا كاملاً في العلاقات مع الولاياتالمتحدة، ذلك لأنها القوة العظمى الوحيدة في العالم، كما أن علاقتنا تتأثر بهذه العلاقة معها، وهذا حق مشروع بأن نسعى سعياً جاداً شريطة ألا نقدم أي تنازلات تمس السيادة والتوجهات القومية والمصلحة العليا للبلاد، كما ندعو أمريكا لاحترام تعهداتها في هذا الجانب. إلى متى ستظل جماعات الضغط في أمريكا تجعل العلاقة بينكم وبينها مفخخة أو غير واضحة المعالم في المستقبل؟ - جماعات الضغط أو الناشطون أو منظمات المجتمع المدني والمنظمات ذات القواعد الشعبية العريضة، كل هذه التوجهات لعلم القاريء، فنفس هذه المجموعات هي ذاتها التي ظلت تكن العداء للسودان منذ حل قضية الجنوب، فتحولت بجملتها لقضية دارفور وهي ذات الوجوه واللافتات، وهذا يعكس أن ذلك تيار متصل ولم يتخلَ عن أجندته، وهي ذات المجموعات فقط أنها حولت لافتاتها من الجنوب لدارفور، وهي واحدة من حقائق الحياة السياسية في الولاياتالمتحدة. مقاطعة: وما هي فائدة اتفاق السلام إذ يقولون إن وزارة الخارجية قد فشلت دبلوماسياً في خلق علاقات دبلوماسية جيدة مع مجلس الأمن مثلاً والاتحاد الأوربي، وإنه رغم السلام إلا أنه لم يضف شيئاً، بل فاقم الأوضاع سوءاً؟ - أولاً دعيني أكمل النقطة الأساسية التي بدأتها، ثم أعود لأجيب على هذا السؤال.. والنقطة التي بدأتها تتعلق بأن ما يمر به السودان في علاقته مع أمريكا هي مثل نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، لأنه نظام ظل مدعوماً من أمريكا وظلت الحركة الوطنية التي كان يخوضها مانديلا والتي تسعى للتحرر وإنهاء نظام الفصل العنصري ظلت الولاياتالمتحدة من الكونغرس والإدارات الأمريكية المتعاقبة، إضافة لمنظمات المجتمع المدني.. تعادي هذه الحركة، وهي التي فرضت عليها القيود ولكن بفضل الضغط ولأنها قضية عادلة، فقد استجابت لها الضمائر الحية في أمريكا ونحن أشبه ما نكون بالحركة الوطنية وحركة المؤتمر الأفريقي التي كان يقودها مانديلا، حيث تعرضت للظلم ولكن ظلت قضيتها حية لأنها قضية عدالة وأصابت الضمائر الحية ولكنها في لحظة تاريخية مفصلية غيرت الولاياتالمتحدة كل تراثها السياسي وكل سياساتها وانحازت إلى القضية العادلة وعملت على مناصرة ضرورة إنهاء الفصل العنصري ومناصرة مانديلا، وللعلم بعد أن أصبح الزعيم الأفريقي رئيساً، كان مانديلا حتى ذلك الوقت في قائمة الولاياتالمتحدة من المحظورين وحتى الآن القوانين التي سنها الكونغرس ضد المقاومة الأفريقية في جنوب أفريقيا ما زالت قائمة.. وحتى الآن لم تزل كل القوانين التي فرضت قيوداً على الحركة الوطنية الأفريقية بجنوب أفريقيا، ولذلك لا تزعجنا هذه القضايا لأننا نظن أننا أصحاب قضايا عادلة والظلم بين في هذه القضية. وعودة لسؤالك حول تأثير اتفاق السلام على علاقات السودان الخارجية، فالاتفاقية تمت بإرادة وطنية خالصة والأصل فيها هو تحقيق السلام والرفاهية للشعب السوداني، ولم تتم بضغوط خارجية.. وبالتالي نحن حققنا الهدف الأساسي القائم على وقف نزيف الدم وإعطاء الشعب السوداني خياراته كاملة في تحديد مستقبله السياسي وبالذات جنوب السودان الذي اختار مؤخراً أن ينشيء دولته المستقلة.. ولكن قضية العلاقات الخارجية نظن أن هناك انعكاسات إيجابية جداً لاتفاقية السلام الشامل، ولأن هناك كثيراً جداً من صور التشويه ضد السودان أصبح الآن محل استهجان واستنكار، لأن الحقائق تكشفت.. إذ كنا متهمين بالرق والاغتصاب وتضييق الحريات الدينية، ولكن عندما تم توقيع اتفاق السلام وفتحت أبواب السودان وبالذات الجنوب، أتضح للجميع أن قضية الرق كانت فرية كبيرة جداً استخدمت كأداة للحرب وكأدوات لتشويه صورة السودان، وبالتالي نحن الآن لدينا جهود مستمرة ومكثفة بواسطة وزارة الخارجية ورئيس الجمهورية كدبلوماسية رئاسية بواسطة كل المسؤولين في الدولة، لتحسين علاقات السودان الخارجية.. والجميع يعترف على أن بلادنا قد أوفت بما التزمت به تجاه اتفاق السلام، فهناك تطور مضطرد في قضايا حقوق الإنسان وقضايا الحريات الدينية وخلافها، فالمجتمع الدولي يعترف بذلك ولكن مسألة العقوبات هذه هي قضايا سياسية للضغط على السودان لاستنزاف واستحلاب مزيد من التنازلات تجاه الجنوب لإعطائه أكثر مما يستحق في اتفاقية السلام الشامل. ألا تعتقد أن الاستجابة للضغوط هذه قد أضعفت السودان في المنابر الدولية وهو دائماً ما يقدم التنازلات السريعة السياسية بدون مقابل؟ - على العكس السودان إذا استجاب لهذه الضغوط وكما ذكرت في سؤالك قدم تنازلات، لتغير عن شكله الحالي كثيراً، كما أن نظام الحكم وتوجهاته ذات الاستقلال الوطني في صنع القرار وعدم استجابته للضغوط الخارجية غيرت من سياسته كثيراً، ولكن ما أود قوله هو أن هذه الضغوط قد أثرت على السودان وأضاعت عليه الكثير جداً من الفرص وزادت من الاستقطاب السياسي، مثلاً دارفور فالذي أعطى مبررات إضافية للحركات المتمردة في دارفور بأنها تستمر في القتال وسفك مزيد من الدماء، قائم أساساً للإشارات السالبة الصادرة من المجتمع الدولي لأنه وعندما تعاقب الولاياتالمتحدة أو تصدر إدانات من أوربا أو المجتمع الدولي ضد السودان، فهذا يقوي من وضع الحركات ويزيدها تمسكاً بالصراع المسلح وسفك الدماء والاقتتال، وبالتالي هذه السياسات السالبة تجاه السودان هي التي أدت لطول أمد الحرب في دارفور كما طولتها من قبل في الجنوب، وبالتالي تسبح عكس إرادة السلام وضد تياره الموجود في السودان.. ولكن المجتمع الدولي بدأ ينتبه مؤخراً إلى أن هذه السياسات تطول من أمد الحرب ونتمنى في القريب العاجل أن يستجيبوا ويغيروا من سياستهم لدعم عملية السلام في السودان.