لم نود الكتابة عمّا يحدث داخل الهيئة العامة للحج والعمرة إلا بعد الإلمام بالمعلومات الكافية، حتى لا نقع في المحظور الذي نُساءلُ به يوم القيامة، رغم أن ما حدث يستوجب الكتابة عنه في حينه لأنّه يعني غياب المؤسسية وعدم احترام القرار وتلاشي هيبة الدولة بما يجعل إحدى ركائز الحكم تتمرد على بقية الركائز، مع التأكيد على بُعد المتنفذين من تطبيق قوانين ولوائح الخدمة المدنية أو الخدمة العامة. وبعد بحث مضنٍ وأسئلة كثيرة تبعتها إجابات كثيرة ألممنا بما جرى داخل الهيئة العامة للحج والعمرة، غير ذلك الذي ألممنا به أولاً مثلما ألم به غيرنا وتم نشره في الصحف بعد أن أصبح مقعد المدير العام بين يدي الوزير الدكتور أزهري التجاني والمدير أحمد عبد الله شداً وجذباً. الوزير أصدر قراراً بإيقاف مدير الهيئة العامة للحج والعمرة وإحالته إلى التحقيق بناءً على توصية من مجلس إدارة الهيئة ورفض المدير تنفيذ القرار متمسكاً بالكرسي، بل سعى للمشاركة في مؤتمر وزراء الشؤون الاجتماعية بالولايات الذي انعقد مؤخراً تحت رعاية وزير الإرشاد والأوقاف الدكتور أزهري التجاني في مدينة ود مدني، لو لا تدخل الحكماء والعقلاء الذين أقنعوا المدير المتمرد بأن مشاركته في الجلسة الافتتاحية كافية وعليه أن يعود من حيث أتى.. وهذا هو الذي حدث بالفعل. المعلومات التي لدينا أفادت بأن هناك مخالفات مالية كبيرة استدعت إيقاف المدير عن العمل وإحالته إلى لجنة تحقيق، وأنه احتج على تسمية اللجنة ب (لجنة تحقيق) وطلب أن تكون لجنة لتقصي الحقائق رغم أن الأمر سيان والنتيجة واحدة. ومن المخالفات الكبيرة الظاهرة التي استوقفت مجلس الإدارة الذي يرأسه الأستاذ محمد بشير عبد الهادي ويضم مجموعة خيّرة من رموز الدعوة والعمل العام، كانت تخصيص مليوني ريال سعودي وتحويلها إلى شركة الخطوط الجوية السودانية ديناً واجب السداد. ونحن نعلم أن (سودانير) لحظة أن أحيل لها المبلغ لم تكن شركة حكومة أو مؤسسة عامة بل كانت شركة تجارية يملك أغلبية أسهمها مجموعة غير سودانية.. ونشير أيضاً إلى أن الدين لم يتم سداده حتى الآن بل تم سداد جزء ضئيل منه.. وبالعملة المحلية! ومن المخالفات المالية الكبيرة دفع مبالغ مالية ضخمة ديناً إلى التلفزيون رغم أنه لا علاقة للهيئة بالتلفزيون سوى أنهما من مؤسسات الدولة التي يجب أن تخضع لضوابط مالية محددة ولوائح لتسيير الخدمة وتنظيم المعاملات. الوزير أصدر القرار وهو في هذه الحالة يمثل الدولة والرئيس ونائبه ومؤسسة الرئاسة والمدير رفض التنفيذ على اعتبار أنّه مُعيّن بقرار جمهوري وإيقافه لا يتم إلا عن طريق قرار مماثل. المدير استدعى عدداً من الموظفين صبيحة اليوم التالي لاتّخاذ القرار إلى منزله وتلى عليهم القرار وقال لهم إنّه لن ينفذه فاعترض على حديثه اثنان من كبار الموظفين على اعتبار أن القرار هو قرار داخلي وتنظيمي لا يحتاج إلى كل هذه الضجة المفتعلة. عاد المدير إلى ممارسة عمله بعد أن قال إنه لا يعترف بالقرار، وغاب فترة عاد بعدها ليقول إنه التقى تنفيذي وسياسي رفيع - سماه بالاسم - وإن الأخير قال له: (واصل عملك).. ثم عاد بعدها ليقول إنه التقى بمسؤول كبير آخر في الدولة قال له نفس ما قال له الأول. هذا هو حال الخدمة المدنية والعامة في السودان وقد انحدرت إلى هذا الدرك السحيق بعدم احترام المؤسسية أو القرارات من الجهة الأعلى، وأصبح كل من جلس على كرسي يتّخذ من عليه القرار يحرص على ألا يفارقه حتى وإن تم منعه عن طريق الأجهزة المختصة.. لا حول ولا قوة إلا بالله.