نفصال جنوب السودان في التاسع من يوليو القادم يعتبره بعض السودانيين بمثابة إنجاز يستحق الاحتفاء ب(نحر) الشياه والعجول وربما الأبل والماعز.. وينظر إليه آخرون كثمرة لحصاد المشروع الإسلامي الذي بذر جعفر نميري غرسه الأول عام 1983 وحصدت ثماره البلاد تشظياً لدولتين وبفعل هؤلاء و عجز النخب وفشل الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال وحتى تاريخ التوقيع على اتفاق نيفاشا في الاستجابة لمطالب الجنوبيين التاريخية والتي لم تتضمن إلغاء قوانين الشريعة الإسلامية إلا بعد إقرارها عام 1983. بينما ظلت مطالب الجنوب بالمشاركة في السلطة ونظام الحكم قائمة لعقد من الزمان.. وصبيحة التاسع من يوليو القادم يطل فجر جديد لوطن بخارطة جديدة.. ولكن هل يظل السودان في حالته القديمة تعاوده أمراض الصراعات الجهوية والعنصرية وتتعالى صيحات المطالبين بالحقوق على أسنة الرماح ويرفع المركز اللاءات كيفما شاء، وتحت وطأة الضغوط تسقط الرايات المرفوعة واحدة بعد الأخرى.. ومن تجربة الجنوب ينبغي أن تتعلم النخب الحاكمة والمنتظرة- وما بدلوا تبديلاً- أن الفيدرالية التي أقرت نظاماً للحكم عام 1994رفضت عام 1956، والحكم الذاتي الذي جاءت به اتفاقية أديس أبابا رفضته حكومة أكتوبر ومؤتمر المائدة المستديرة والنظام الكونفدرالي الذي اقترحته الخرطوم على الحركة الشعبية قبل ساعات من ذهاب الجنوبيين لصناديق الاقتراع، رفضته الخرطوم في مفاوضات أديس أبابا 1998م. والشيء بالشيء يذكر يصبح التاسع من يوليو وجرح دارفور لم يندمل بعد، رغم جلسات العلاقات العامة وإهدار المال القطري في مؤتمر أهل (المصلحة) الذي انفض سامره الثلاثاء الماضي على أمل أن يوقع الفرقاء على وثيقة اتفاق سلام نهائي في مقبل الأيام.. ولكن هل استرضاء د. التجاني سيسي بموقع تنفيذي وتعين د. خليل إبراهيم وإعادة مني أركو مناوي للقصر يمثل الحل لقضية مهما حاولنا التنصل عن مسؤوليتنا الجماعية عنها ورمينا باللائمة على الدول الغربية والمؤامرات الصليبية أو اليهودية تبقى الحقيقة التي لا تنكرها العين الصحيحة.. إن قضية دارفور تمثل دليل عجز وفشل لسياسات داخلية تراكمت بفعل الزمن عاماً بعد آخر وحقبة إثر حقبة ونظام بعد نظام لنحصد المحصلة فشلاً مريعاً في المشروع الوطني الذي أفضى فشله لانقسام الجنوب.. وإذا تمادى الجميع في ارتكاب الأخطاء ستمطر دارفور إخفاقاً كبيراً آخر و أن طال الزمن!! ü النخب الحاكمة التي تتحمل المسؤولية الأكبر، وبطبيعة الحال ليس كل المسؤولين يتصرفون بمنطق مقتضيات الواقع كما ينبغي.. وحينما فكر رجل دولة في قامة الأستاذ علي عثمان محمد طه وابتدر الحوار حول الجمهورية القادمة التي (سماها) عثمان بالجمهورية الثانية، لم تجد الفكرة أو مشروع الدولة الجديدة اهتماماً يذكر من قبل النخب الحاكمة والقيادات النافذة في الدولة والحزب والتي أنصرف (همها) ومبلغ علمها وجل جهدها وفكرها في ربح وحصاد الوزارات القادمة.. وهل يبقى فلان للمالية أم يذهب عثمان للبرلمان، وهل يعود مصطفى للخارجية أم يحتفظ علي كرتي بالكرسي الوثير.. وبدأت المنازعات (القشرية) في الوزارات والمؤسسات ولم تنعقد ورشة أو حلقة مدارسة علمية لماهية الجمهورية القادمة، وما هي الأسباب التي أدت لفشل السودان القديم حتى تمزق لدولتين؟؟ وكيف تستجيب الجمهورية الجديدة لاحتجاجات دارفور وغيرها من الأطراف وهل الاحتجاجات نفسها يسندها الحق أم القوة؟! iخلافة البشير لطه أم لنافع؟؟ هل تنتهي حقبة رئاسة البشير بنهاية التفويض الذي حصل عليه العام الماضي؟؟ أم تمتد السنوات إلى ثلاثين عاماً بدلاً عن 25 عاماً بنهاية الدورة الحالية؟؟ هذا السؤال طرح في الساحة منذ بداية العام الجاري وأخذت التصريحات المؤيدة لذهاب البشير تتكاثف من القيادات الوسيطة التي لا تتسنم وزارات ومقاعد يخشى من فقدانها.. بينما الرئيس عمر البشير نفسه بدا زاهداً في السلطة وأكثر ميلاً لتجديد مفاصل السلطة التي (شاخت) و(هرمت).. وملامح التغير في مجلس الوزراء بدأت في التشكيل الذي أعقب الانتخابات العامة.. ولكن الحديث عن بديل البشير ومرشح المؤتمر الوطني القادم لمنصب الرئيس يحيط به الغموض وينأى الكثيرون بأنفسهم عن لجة ما يعرف شعبياً بالمثل القائل «شعراً ما عندي ليه رقبة»، كناية عن صعوبة الخوض في لجة بحر مالح وسير على حافة الهاوية، خاصة وقد فاض المناخ العام بشائعات عن منافسة بين تيارين داخل الحزب الحاكم، وشاعت ثقافة الأجنحة ما بين طه ونافع حتى بدت كأنها حقيقية تمشي على رجلين ما بين شارع المطار والقصر الرئاسي.. وفي مناخ التعتيم دائماً ما تشاع الأقاويل والدعاية السياسية.. وكلا الرجلين صامت إلا بقدر يسير، ومن مدرسة الواقعية الاجتماعية التي كان منشؤها في المغرب العربي يتونس وجسّدها رجل الدولة والقانون الفقيه خير الدين التونسي.. ولكن إذا قدر للبشير التنحي عن مقعده في رئاسة الحزب فإن اختيارات البشير وحده هي ما ترجح كفة أي من الرجلين المؤهلين لخلافة البشير إذا لم تذهب كل القيادات التي تجاوز عمرها ال65 عاماً والبحث عن شباب جدد لقيادة المسيرة.. ولكن قبل ذلك فإن الجيل الذي تسنم القيادة في 30 يونيو 1989م أكثر مقدرة على تشخيص أمراض السودان القديم ووصفة علاج السودان الجديد الذي سيصرخ بإعلان ميلاده بعد شهر وأربعة أيام فقط من الآن.. وأكبر المشكلات التي تواجه السودان الجديد الأزمة الاقتصادية الخانقة التي ألقت بظلالها على السودان القديم في النصف الأول من العام الجاري ويتوقع لها آثار عميقة في النصف الثاني من العام الجاري. وهي أزمة دولة وليست حكومة كما تعتقد المعارضة التي تمثل حالتها الراهنة دليلاً آخر على عجز السودانيين وقلة حيلتهم حيال ما يجري في بلادهم.. فالمعارضة بعد سنوات من التعويل على الحركة الشعبية الجنوبية وانتظار فاقان أموم وياسر عرمان ودينق ألور لإسقاط البشير ونافع، وبعد خذلان سلفاكير للنوبة والأنقسنا قبل خذلان الصادق والترابي ونقد فإن المعارضة (مسكونة) بحب (الفرجة) من (البلكونات) المعارضة تمني نفسها بصراع داخلي ينشب بين قيادات الإنقاذ.. وأعدت نفسها لاستثمار ما تعتقد بأن صراعاً سينشب بين (الجعليين والشايقية) بعد إعفاء صلاح قوش ويمهد للقضاء على الجميع.. ولكن خاب فالهم وتبددت أمانيهم حينما بزغ فجر الحقيقة.. إن ما حدث قرار مؤسسة لأسباب مسكوت عنها، ومنذ متى تُبرر قرارات الإعفاء والتعيين حتى هياكل أحزاب المعارضة متى صدر تبرير لإعفاء قيادي وتعيين آخر!! المهم أن الأوضاع الاقتصادية في مقبل الأيام تتجه لنقص حاد جداً في العملات الأجنبية وضعف شديد في حصيلة الصادرات التي يتصدرها البترول الذي سيذهب ثلاثة أرباع إنتاجه للجنوب، فكيف يتم سد العجز في الميزانية، وهل للدولة خيارات أخرى حتى لا تعود الأزمات بالبلاد لسنوات صفوف البنزين والجازولين ورغيف الخبز الحافي.