الاستجمار هو طلب الجمرة عموماً والاستجمار هو استعمال «الجمار» أو الحجارة الصغيرة بغرض الطهارة بدلاً عن الماء، والرسول الكريم «ص» يقول : «الطهور شطر الايمان»، والجمار أو الجمرات لها شأن عظيم في ديننا، خاصة إذا قرنّا رمي الجمرات في الحج لغرض طرد الشيطان الخبيث والتطهر منه مع ما سبق. وأما الجمرة الخبيثة في ثقافتنا الشعبية فليست سوى مرض ثقيل لا برء منه ناجع، إذ يأخذ في أكل اللحم الحي مسبباً السهر والجزع للضحية، ولذلك سمى الناس جهاز قياس استهلاك الكهرباء ذا الدفع المقدم بالجمرة الخبيثة، ولا ندري وجه شبه أوضح من تآكل الرصيد وترويع المستهلك لحظة بلحظة. هيئة مياه الخرطوم، كما علمنا، تدرس الآن مقترحاً يقضي باستخدام عداد الدفع الرباعي أيضاً تريد ان تستجمرأسوة بالكهرباء ونحن ننصح الحكومة بالاّ تدعها تفعل. وذلك لأن الله تعالى قال في محكم كتابه «وجعلنا من الماء كل شئ حي» بينما الهيئة ستجعل من ماء الديجتال الجديد كل شئ ميت، إذ أن الشعب قد استجاب لدعوة الرئيس ونائبه نحو النهضة الزراعية على مستوى الأفنية و«خشوم البيوت»، كما هي حال النهضة على مستوى الاستثمار الزراعي في المشاريع الكبرى وحواشات الجروف، فالاهتمام بالزراعة لا ينبغي أن يخص أحداً دون سواه، بل هو أمر ثقافة وحضارة وجمال نفس ومحيط، وربنا عز وجل يقول عن آياته في الأرض «فلما أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وانبتت من كل زوج بهيج». إن أشجار الدبس السعودي التي انتشرت أمام بيوت العاصمة بشكل ملحوظ منحت وجه هذه المدينة الأغبش خضرة ونضارة خلال السنوات الأخيرة، لأن كل الناس «في إطار المحاكاة المعهودة في مجتمعنا» زرعوه بكثافة، وقد أحسنوا لأنه سريع النمو وشديد الخضرة والبهاء أمام بيوتهم ، لذا أطلقوا تحته الماء بسخاء وأطلق عليه البعض اسماً محلياً هو «المؤتمر الوطني»! ، وهذا مما نعتقده سبباً لزيادة الاستهلاك في الآونة الأخيرة، فضلاً عن غسيل الحيشان السيراميكية، كظاهرة جديدة أيضاً، بالماء، علاوة على تسرب المياه من أنابيبها بسبب التهالك أو الحوادث. ومهما يكن فإن المواطنين ظلوا يدفعون للهيئة حوالي (50 ) جنيهاً شهرياً نظير الاشتراك في خدمة الماء، بغض النظر عن تفاوت حجم استهلاكهم. ولكن في حال الجمرة الخبيثة فإنهم سيكتفون بحصة الشرب و« غسيل الهدوم والجسوم» ، وأما الشجر خارج البيت فإن له ربّاً يحميه. الرسول «ص» قال ما معناه: الناس شركاء في ثلاث، الماء والنار والكلأ، بمعنى أن الثلاثة مشاع في كل مجتمع، ولم يقل المسلمون شركاء بل الناس، ولذلك فإن من أول أعمال البر والأوقاف التي فعلها النبي «ص» وصحبه في مستهل الهجرة هو أنه حض عثمان بن عفان على شراء بئر كانت ملكاً ليهودي في المدينة يبيع ماءها للناس كما تفعل حكوماتنا اليوم « شغل يهود!» ، فلما اشتراها ذو النورين جعلها مشاعاً بين الناس، لأن هذا هو الإسلام، فمن كان له ماء فلا يحبسه عن الناس بالبلوفة!،أو بقطع الجمرة الخبيثة وكذلك النار التي تدخل الكهرباء من بابها ، من غير المعقول بيعهما للناس لأنهما من الأسباب التي بدونها لا تقوم الحياة، ولا حتى في أدنى درجاتها وصورها. صلينا على النبي؟ طيب، في كثير من الدول المحترمة فإن الماء والكهرباء تقدمان للمواطنين مجاناً، أو بأسعار رمزية أو على الأقل بأسعار مدعومة، وأما أن يصل الأمر حد الترويع بالجمرة الخبيثة وسط مجتمع جله فقراء، فهذا لعمري امعان في التمييز بين الناس، حتى في الماء والنار، ولم يبق لتتكامل جريمة تهديد الحياة إلا الكلأ، وحينها ستتم مخالفة الهدي النبوي كلياً، لكن الكلأ للحيوان. ولتحمد البهائم ربها ان الهيئة لا تسقيها. نحن لسنا مع الإسراف والتبذير المحرمين شرعاً، والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم منع من الإسراف في الماء وقال مامعناه(في الوضوء سرف ولو كنت في نهر غمر جار)، ولكن ما ستقدم عليه الهيئة- ونرجو أن يكذًب الله الشينة - قد يكون أيضاً سبباً في تخريب البيئة وزيادة ارتفاع درجة حرارة جو الخرطوم عبر تجفيف الأشجار التي تخضر بها البيوت وواجهاتها، وهذا ليس عملاً جيداً طبعاً. لذا فإننا في حال إصرار الهيئة على المضي قدماً في خطة عداد الجمرة الخبيثة نقترح أن تكون لكل بيت حصتان من الرصيد، الأولى مجاناً، وتشكل رصيداً كافياً يلبي الحد الأدنى المعقول لاستهلاك الأسرة المتوسطة(سبعة أشخاص)من الماء النقي، وأما الثانية فبسعر غير تجاري، بل مدعوم، وتشكل ما يكفي لزراعة سبع شجرات كبريات على الأكثر، سواء داخل أو أمام البيت، ومن زاد على ذلك (يشيل شيلته معكم )، هذا طبعاً يمكن تقديره بدقة من باب الاسهام في إصحاح البيئة، وتجميل العاصمة، وتخفيف درجة حرارتها المرعبة، وأيضاً في رفع العبء عن كاهل الصابرين.