استهلاك البلاد من الأسمنت مليونا طن في العام، فيما يبلغ الإنتاج ثلاثة ملايين طن.. وذلك بعد دخول إنتاج عدد من المصانع الجديدة إلى السوق المحلي.. حتى نهاية العام 2010م وصل عدد مصانع الأسمنت بالبلاد ستة مصانع، ولم يعد الإنتاج حكراً علي مصنعي عطبرة وربك كما موجود في كتب المناهج الدراسية للطلاب حول الصناعة في البلاد. إذن إذا تحدثنا بقانون العرض والطلب فإن القفز في الأسعار غير منطقي وغير مقبول، وبالتالي فإن الباب يصبح وبلا شك مفتوحاً لتكهنات أخرى لا يمكن معها استبعاد نظرية المؤامرة. في السنوات الأخيرة يا ما شهدنا احتفالات شرفها قيادات سياسية وتنفيذية بافتتاح مصانع جديدة للأسمنت.. وتبعاً لذلك نشطت خطوط السكة حديد في نقل المنتج الجديد إلى أسواق الخرطوم.. كنا نسمع صفارة القطار القادم من مواقع الإنتاج.. وكنا نرى عمليات التفريغ والشاحنات المحملة بمئات الأطنان من الأسمنت بأم أعيننا.. لكون أننا الأقرب من السكة حديد ومن مخازن الأسمنت في منطقة الصناعات ببحري.. رغم هذا الواقع.. واقع الوفرة في السلعة، ترتفع الأسعار بين ليلة وضحاها، ففي أقل من 24 ساعة ترتفع الأسعار من 420 جنيهاً للطن إلى 620 جنيهاً.. الحجة الشح في الفيرنست حجة أخذتني للبحث والتقصي في كل الاتجاهات، ففرق الزمن بين السعر القديم والجديد يثير الشكوك والظنون، فطالما أن المخازن مليئة بالسلعة فكان من الطبيعي أن ترتفع الأسعار تدريجياً وبالتالي يمكن تصديق أن الفيرنس عامل مؤثر للارتفاع.. والله العظيم أنا عندما قرأت في الصحف عنواناً يقول إغلاق مصانع الأسمنت، حسبت أن الإغلاق قرار حكومي أو من جهة ما لأسباب جاءت فجأة وخارج إرادة المصانع، ولم أكن أتوقع أن الإغلاق بسبب الوقود.. وللإنصاف فإن عدم وجود الفيرنس يسبب تعطيلاً للانتاج بالفعل لكن لا أظن أن الأمر أدى إلى إغلاق كل المصانع في يوم واحد.. فهل الفيرنس انتهى فجأة وفي ذات التوقيت لكافة المصانع؟.. المتعاملون مع سلعة الأسمنت من مقاولين أو مستثمرين وكافة قطاع الإنشاءات.. يعلمون تماماً مدى التدني الذي وصلت إليه أسعار الأسمنت جراء الوفرة التي حدثت، وقد أدى ذلك إلى نهضة واضحة في القطاع السكني وقطاع العقارات بشكل واضح ولا تخطئه العين.. لكن وبلا شك فإن انخفاض الأسعار أدى إلى ضرر وانخفاض في نسبة الأرباح للتجار ولأصحاب المصانع.. انتهت المضاربات التي كانت سيدة الموقف في قطاع الأسمنت.. فمثلاً في وقت ما وصل طن الأسمنت إلى ما يقارب ألف جنيه، أي مليون جنيه.. كانت المضاربات والاحتكار ظواهر مبررة بسبب الشح في الإنتاج المحلي من ناحية، وبسبب ارتفاع أسعار الدولار والرسوم الجمركية للمستورد وكذلك بسبب شح السلعة وتذبذب أسعارها في الدول المصدرة للسودان من ناحية ثانية.. لكن أي مبرر لاختفاء السلع في السوق المحلي رغم زيادة الإنتاج ودخول مصانع بطاقات إنتاجية كبيرة تعمل وفق قانون الاستثمار وبكل مزاياه الممنوحة، فكانت صناعة مبرر آخر وهو عدم وجود طاقة لتحريك عجلة المصانع!! من المستفيد من تعطيل الإنتاج تحت أي مبرر أو سبب.. لماذا يريد لنا أصحاب المصلحة أن نرجع إلى نفس مربع احتكار السلعة والتخزين والمضاربات؟! حدثني من أثق في رأيه أن بعض مصانع الأسمنت فقدت كثيراً من الأرباح الكبيرة التي كانت تتحصل عليها.. وأن عدداً كبيراً جداً من تجار الأسمنت ذكرهم لي بالاسم، لم يخرجوا من السوق فقط، بل هم الآن يقبعون في السجون بعد أن أخذوا مرابحات ضخمة من البنوك ولم تفلح تجارتهم في الأسمنت بسبب الوفرة، فما كان من هؤلاء وأولئك إلا وضع خطط جديدة لتجفيف السوق ومحاولة إعادة الوضع إلى مرحلة الندرة.. ولما كانت المنشآت لا تتوقف والحاجة اليومية لسلعة الأسمنت لن تنتهي.. فإن توقف عمل المصانع حتى ولو ليوم واحد فإنه سيعوض الخسائر أو جزء من الخسائر التي أصابت الرابحين من تجارة وصناعة الأسمنت. إذا كان ما تردد من وجود متضررين لهم أسبابهم في افتعال الندرة.. أو إن كان المبرر الذي ساقه أصحاب مصانع الأسمنت صحيحاً وإن الفيرنس هو السبب رغم أن كل مصانع الأسمنت لا تستخدم الفيرنس ، فإننا ندعو إلى تدخل سريع من الدولة ومن وزارة الصناعة التي هي حريصة على عدم توقف عجلة أي مصنع في هذا التوقيت الحساس والوضع الاقتصادي الحرج.. تدخلاً يزيل كافة الحجج والمبررات التي تجعل شح الإنتاج ورفع الأسعار أمراً مبرراً.. تدخلاً ييسر عمليات الإنتاج من توفير مدخلات إلى إزالة عقبات الرسوم، كما ندعو إلى تدخل الجهات الرقابية والأجهزة الرسمية لمحاربة الاحتكار والقضاء على نشاط المحتكرين وأصحاب المصلحة.. إذ لا يمكن أن يرتفع الإنتاج ليحقق الفائض من الاستهلاك بمعدلات كبيرة كما حدث في سلعة الأسمنت، وفي نفس الوقت ترتفع الأسعار وتغلق المصانع لأي أسباب موضوعية أو حتى غير موضوعية.