أسأل الله سبحانه وتعالى أن أكون دائماً وفيَّاً لصديقي الأستاذ الدكتور محمد سعيد محمد على حربي، فقد كنت حضوراً في محفل وهو يدير جلسته العلمية، وقد أعجبته إحدى الأوارق، وهأنذا أكتب استجابةً لطلبه. فقد عقد المجلس البيطري السوداني ندوته المهمه والتى انتظرها شيخ المجالس البيطرية وهو يبدأ بالظهور على الساحة المهنية والساحة البيطرية (لينتفض) بعد أن غض في سبات عميق ونوم متواصل مستمر سنين عدداً، إلى أن دار حوار بينهم فسأل أحدهم كم لبثتم ؟ قال الآخر يوماً أو بعض يوم، فأكد ثالثهم أنهم لبثوا ثلاثمائة عام.. بل وتكون المقارنة أيضاً أنهم انتقلوا من دار الإيجار إلى دار القرار الأخير. ومع هذه الانتفاضة قدمت في ندوة ( تداعيات انفصال الجنوب على قطاع الثروة الحيوانية والسمكية والمهنة البيطرية ) أربع أوراق عمل، ثلاثة منها كانت كورقة أهل الكهف، ولكن يكفى أنها كانت المؤشر على أن المجلس البيطري هو شيخ المجالس المهنية ودليلها إلى ترسيخ العمل المهني، فقد وضع في العام 1954 م أول قانون مهنى. انفصال جنوب السودان عن شماله لم يأتي فجأة للبلاد لا على الذين يعيشون في الشمال أو أولئك الذين يعيشون في الجنوب، كما لم تخطط له الإرادة السودانية وحكومة الوحدة الوطنية، ولكن اتفق ورحب وأيّد جميع أهل السودان على إيقاف الحرب ووقف زهق الأرواح، ولم يكن هذا ليحدث لولم يتم التوقيع على اتفاقية نيفاشا التى حملت نصاً صريحاً لإجراء عملية الاستفتاء على تقرير مصير الولاياتالجنوبية، على أن يعمل الطرفان على الوحدة الجاذبة. الحدود الفاصلة تبلغ بحساب الأرقام حوالي ألفي كيلومتر من شرق البلاد إلى غربها بولايات النيل الأزرق، سنار، النيل الأبيض، جنوب كردفان وجنوب دارفور، وعلى معظم طول هذه المسافة تتحرك القبائل والمنافع والثقافات وكل الثرواث شمال المناطق وجنوبها.. والآن نحن في العد التنازلي للفترة الانتقالية الثانية ليصبح «الجنوبي جنوبي والشمالي شمالي» لتؤكد الإرادة السياسية الحاكمة أن الأمر لم يكن فجأة وليس بتخطيط من حكومة الشمال، لأنها حتي اللحظات الأخيرة من اليوم الأخير لتنفيذ نتيجة الاستفتاء ستظل دولة الجنوب هي الجزء المكمل للسودان الموحد. النمط التقليدى الذى تعيش فيه الحيوانات ليس بالسوء وليست مناطق التماس أو التمازج بالقنابل الموقوته لأن قبائل هذه المناطق تمثل تعايشاً امتد منذ مئات السنين تقاسمت فيه القبائل استخدام الأرض واستثمارها لرعي الحيوان . يدور الحديث فى أوساط الاقتصاديين بأمر المرعى والاستفادة من الموارد الطبيعة، والمعروف للرعاة وأصحاب الماشية أن الجانب الاجتماعي وثقافة الجاه والسلطة دائماً تتغلب على الجانب الاقتصادى لدى الرعاة فمكن فيهم اقتصاد الكفاية وأغفلت اقتصاديات السوق.. فالطلب العالمي على اللحوم السودانية في تزايد وعودة البلاد الأوربية إلى المنتجات الطبيعية في ازدياد بعد أن لُدغت اليابان من مفاعلها النووي لإنتاج الطاقة النووية وتجرعت دول أوربا من المانيا السموم بواسطة الميكروبات البكتيرية الناتجة غالباً من التدخل الوراثي لتحسين شكل الإنتاج وزيادة حجمه، أرادوا أن يغيروا خلق الله فكان كيدهم فى هلعهم وتباكيهم . الخبير الاقتصادي الأستاذ عبد الرحيم حمدي الذى ملأ الدنيا وشغل الناس اقتصادياً وسياسياً، درس المرحلة الأولية في أربع مناطق ( شندى، أمدرمان، الخرطوم وبربر)، اكتسب الكثير من الخبرات على المستوى العالمي والمحلي، وهو مبتدر النقاش في ندوة المجلس البيطري وأيضاً مبتدر سياسة التحرير الاقتصادي في السودان الحر، لم يكن من أنصار تغيير نمطية الإنتاج فالنمط التقليدى ليس سيئاً ولكن تحسنه محمدة ولإيجاد نسيج من النمط الحديث والتقليدى مع وجود خطة تنموية لقطاع الثروة الحيوانية شبيهة بخطة إنتاج السكر والأسمنت «نظرية الدفعة القوية»، أكثر فائدة للبلاد والعباد من خطة توطين القمح والتي منيت بفشل ذريع من بداية التسعينيات وحتى الأن، ولم نستطع أن(نأكل مما نزرع )،أكد الأستاذ حمدى ضرورة خطة لإنتاج اللحوم بأنواعها المختلفة واستغلال آليات جديدة للتمويل والإدارة مع توفر الإرادة السيا سية. فإن كان هذا العام هو عام الطبيب البيطري العالمى، فليكن عام الأساس لنهضة سياسية صحيحة تساعد على تطوير قطاع ظل يساهم في ميزانية الدولة على المستوى المحلي بالاكتفاء الذاتي وعلى المستوى العالمي بالمنافسة على رفد الخزانة العامة بالعملة الأجنبية، وكان هذا قبل اكتشاف البترول. فما الجديد المفيد الذي أدخل علي القطاع حتي يوفي بالطلب الذى تقدم به السيد حمدي حينما كان وزيراً للمالية والسيد الدكتور الأستاذ حربي وكيل أول وزارة الزراعة والثروة الحيوانية والموارد الطبيعية (وهذا اسمها ) بأن الدولة هل يمكنها أن تصدر خمسة مليون رأس من الماشية في العام؟ أجاب المربي الجليل، الذي علمنا أن نأكل حلالاً و ألا يأكل أولادنا حراماً، يمكن للسودان أن يوفي بهذا العدد. كانت الإجابة نعم في ظل قطاع يعيش تحت جلباب الزراعة وتحت أقدام(قنيف)، فقد كان حينها الشق النباتي مهيمناً على مخصصات القطاع الزراعي. إننا نحن الآن نعيش في زمن الألفية الثالثة وهى حقبة الحقوق والواجبات في مختلف المجالات، ويجب رفع القدرات نحو الاستجابة والتفاعل مع الحدث والكارثة في كل المستويات. ليس للأطباء البيطريين عذر في التقاعس وانتظار الأحداث، علينا أن نكون نحن صناع الحدث لأننا نفعل ماينبغي كما ينبغي في الوقت الذي ينبغي.. فالطبيب البيطري قوة فاعلة في السلام. درسنا وتعلمنا لنفيد بلدنا في حربها وسلمها، سنحافظ على ثروتنا الحيوانية من الإصابة بالأمراض وفق الإجراءات الدولية لحماية قطعان الماشية، ومازال مسمى وظيفتنا «ضابط بيطري» في ديوان شؤون الخدمة، سنجيش الخدمة البيطرية ونكون حماة للقطيع القومي بسلاح الوقاية والمداوة من أمراض الحيوان فأهل مكة أدري بشعابها. على جموع الأطباء البيطريين المنتشرين على أرض ولايات التماس أو التمازج أن ينظروا للأمر بصورة إيجابية، وأن نكون مستعدين دائماً لرفع القدرات نحو الاستجابة والتفاعل مع الحدث والكارثة في كل المستويات، فالصراع القبلي والحروب قد تكون في أذهان الساسة، فليس في تفكير الرعاة ومربيي الماشية وملاكها، لادخل للرعاة بحدود 56 أو حدود خط بارليف أو حائط برلين.. إن تفكيرها ينصب أن تسكت أصوات الراجمات والدانات وجلبة وموسيقى الكلانشكوف ، لا صوت إلا ترانيمهم، وهي تعبر تلك الأراضي الحنينة . لن يتأثر صادر الثروة الحيوانية الحقيقي، لأن مفردات الصادر متمثل معظمها فى الضأن الذي يقل كثيراً في الولاياتالجنوبية، ولن يتأثر صادر الأبل لأن الجنوب يكاد ينعدم فيه الأبل والأبالة، فلن تتأثر صادرات الأبل أيضاً. أرجو أن نجيب علي سؤال الخبير حمدي أنه بإمكاننا نحن الأطباء البيطريين أن نساهم في تصدير خمسة مليون رأس من مفردات الثروة الحيوانية، لأننا نعيش انتقاضة حقيقة في هذا القطاع يقف عليها رجال مخلصون وضعوا البلد فى حدقات العيون، ويحيط بهذا القطاع تنظيمات ومؤسسات ستشرق شمسها وتنشر شعاعها، ليكون السودان الدولة التي تُستشار في إنتاج اللحوم وتصنيعها لن تهزمنا الصومال الدولة المتهالكة في صادرالهدي، لآن هناك ترتيب علمي لصادر هذا العام، لن تنافسنا استراليا في السوق السعودي لأننا نربي مواشي لتؤكل لحومها والتي يعتبر إنتاج ثانوى للضأن الاسترالي، خلفنا قيادة آمنت ورأت عين اليقين أن الطبيب البيطري هو رأس الرمح في تنمية هذا القطاع، ولن تسقط رايته، فالتحية للمجلس البيطري وهو ينفض غبار السنين ويبدأ من حيث انتهى الآخرون.