في الحلقة الأولى تناولنا الزيارات الميدانية للجنة التعدين الفرعية بالمجلس الوطني لمناطق تعدين الذهب العشوائي المنظم بمنطقة العبيدية، حيث استمع الوفد إلى شكاوى المواطنين العاملين في التنقيب العشوائي عن الذهب والشركات العاملة في مجال التنقيب المنظم ووقف على الأوضاع الماساوية للعاملين في تنقيب الذهب بسوق العبيدية والمخاطر الصحية التي تواجه الأطفال العاملين في عمليات غسيل أحواض الذهب بسبب استخدام الزئبق.. في هذه الحلقة نتناول أساليب استخدام خام الذهب من المناجم العشوائية والمنظمة وطرق اكتشاف الذهب من قبل المواطنين دون استخدام أجهزة تنقيب ومغامرات المواطنين البسطاء من أجل الثراء بمناطق تعدين الذهب والصراع الدائر بين مواطني ولاية نهر النيل وشركات تعدين الذهب حول حقوق الامتياز وادعاء المواطنين لامتلاك مناجم ذهب خاصة قبل دخول الشركات لأعمال التنقيب بولاية نهر النيل من خلال التقرير التالي إنتاج الذهب: هناك تعارض في قوانين استثمار المعادن بالسودان الأمر الذي جعل الولايات تغيب عن الواقع الحقيقي لإنتاج الذهب الذي يستخرج منها. فالقوانين تنص على أن المحاجر ولائية والتعدين مركزي، فيما يشترط القانون أن تمنح الولاية نصيبها من تعدين الذهب الذي تقوم به الشركات عند بداية الإنتاج، بينما تنفيذ دراسات الجدوى الخاص بالإنتاج يستغرق مابين ست سنوات إلى تسع سنوات، فهناك متغيرات كثيرة تحدث في الفترة بين تنفيذ دراسات الجدوى وبداية الإنتاج الفعلي لشركات الذهب. كما لاتوجد آليات لفض النزاع بين المركز والولايات في حالة التنازع على الموارد الطبيعية كما لايوجد فصل واضح بين الأراضي الاتحادية والولائية، فيما هناك ضعف على رقابة شركات الذهب وعمليات الاستكشاف والتعدين والآليات التي تستخدم في مجال التنقيب بينما الخرط الجوية لمناطق امتياز الشركات لاتطابق بخرط أرضية، كما أن الشركات ترفض إطلاع الولايات على عقود التعدين باعتبارها مرخص لها اتحادياً، فالمشاكل المتعلقة بالتعدين حالت دون استفادة الدولة من إنتاج الذهب المقدر بخمسين ألف طن سنوياً وفق معلومات بورصات الذهب العالمية. يقول العاملون في مجال التنقيب عن الذهب العشوائي إن الكشف عن الذهب السطحي بالطرق البدائية أفضل من استخدام أجهزة التقانة الحديثة، فالكشف عن معدن الذهب باستخدام جهاز الكشف فيه معاناة كبيرة، لأن الجهاز يصدر أصواتاً عند العثور على كل المعادن الأخرى كالحديد والنحاس وغيرها، ولكن الكشف عن الذهب بالطرق التقليدية يعتمد على خبرة تراكمية للعاملين في مناطق التعدين العشوائي، حيث يستطيع الخبير التقليدي التعرف بسهولة على معدن الذهب من خلال نوعية الحجارة التي يحضرها العاملون في التنقيب العشوائي من أماكن متفرقة توضع عليها علامات محددة، فعندما يحدد الخبير التقليدي بأن أحد الحجارة تحتوى على معدن الذهب يصبح بذلك وجود الذهب أمراً حقيقياً، لكن الصعوبات تتمثل في عدم مقدرة الخبير التقليدي على تقدير كمية الإنتاج فجوال الحجارة مثلاً ينتج ما بين واحد إلى ثلاثة جرامات ذهب فيما يتم العمل في ظروف صعبة ودرجة حرارة مرتفعة ومخاطر انهيار الآبار العميقة التي يعمل الأشخاص بداخلها لمسافات تصل إلى ثلاثين متراً في باطن الأرض، بينما يتناوب على البئر عدة أشخاص في شكل ورديات دائمة فيما تتراوح إقامة الأشخاص في مناطق التعدين بين أربعة إلى ستة أيام حيث يعودون إلى أماكن التجمعات لاستخلاص الذهب من الحجارة في منطقة العبيدية أو أبوحمد، فالذين لايملكون الأموال الكافية يحصلون على سلفيات من تجار الذهب على أن يتم سداد المبالغ بعد العثور على الذهب، ولذلك يظل المواطنون متواجدين بمناطق التعدين العشوائي لفترات طويلة حتى يتمكنوا من الإيفاء بالتزاماتهم المالية تجاه الممولين. امتياز الشركات: يقول عبد الرحمن بابكر أحمد رئيس اللجنة الشعبية بقريتي «سبنس» و«أم سرح» محلية أبوحمد: مواطنو المنطقة كانوا يملكون آبار تنقيب عن الذهب العشوائي منذ فترة طويلة، ولكن بعد دخول شركات التنقيب العمل بصورة منظمة استولت على أماكن تنقيب المواطنين التقليدية التي وقعت داخل امتياز شركات التنقيب عن الذهب، رغم أن الشركات لديها إمكانات مالية وتقنية لاكتشاف الذهب في باطن الأرض، فيما الشركات لاتدعم المنطقة بالخدمات ولا توظف أهالي المنطقة فيها، وتحاول أن تمنع المواطنين من ممارسة التنقيب السطحي الذي يعتمدون عليه في توفيق أوضاعهم المعيشية، بالإضافة للمعاملة السيئة التي يتلقاها المواطنون حيث تم احتجاز شخص ذات مرة يبلغ من العمر ثمانين عاماً وزوجته البالغة سبعين عاماً من قبل إدارة تأمين إحدى الشركات بعد أن تم فتح بلاغ في مواجهتهما بقسم شرطة الشريك بتهمة التعدي على امتياز مناطق تعدين الشركة، لذلك الشركات بدأت في تنفيذ أعمال لإجبار الأهالي على مغادرة المنطقة، كما أن هناك غياباً تاماً للمعلومات عن الشركات العاملة في مجال تنقيب الذهب، و في الزيارة الأخيرة لوزير المعادن إلى المنطقة عرض عليه المواطنون مشاكلهم والأضرار التي لحقت بهم بسبب منع التعدين العشوائي، فوعد الوزير المواطنين بمعالجة هذه المشاكل على أن تعمل شركات التنقيب في حدود الامتياز ويمارس المواطنون التنقيب العشوائي في الأماكن الأخرى، ولذلك حدثت هدنة مؤقتة لازالت سارية. ضغط شعبي: يقول الأستاذ عبد السلام محمد خير وزير الاستثمار والصناعة والسياحة بولاية نهر النيل: التعدين الصغير يجب أن يكون حقاً خاصاً بالولاية، ولكن تداخل الاختصاصات الولائية والاتحادية سيضطر الولاية لسن تشريعات من طرف واحد لحماية حقها في التعدين، ولذلك على المجلس الوطني معالجة الاختصاصات بتشريعات اتحادية شاملة للحيلولة دون تعارض القوانين الولائية والاتحادية في مجالات التعدين عن الذهب، فهناك مواطنون في محليتي بربر وأبوحمد استفادوا بصورة كبيرة من عمليات التنقيب الأهلي، ولكن حكومة الولاية لازالت حقوقها ضائعة رغم وجود أربعة عشر شركة تعمل في مجال التنقيب عن الذهب بالولاية.. ولذلك لابد من تخصيص 10% من مساحات الذهب المكتشف للولاية للاستفادة منها في التعدين الصغير والتزام الشركات بتقديم الخدمات للمواطنين بالمناطق التي تعمل فيها. بالإضافة إلى تفعيل مكاتب الجيلوجيا بالولاية لتطوير التعدين الصغير فهناك ضغط شعبي كبير لمعالجة أوضاع التعدين الحالية بالولاية، حيث توجد بعض الشركات تستخدم الأجهزة الصغيرة للتنقيب عن الذهب وتبيع المنتج بالأسواق، الأمر الذي يثير غبن المواطنين بالمحليات. يقول المهندس الصافي محمد الطيب رئيس اللجنة الفرعية للتعدين بالمجلس الوطني: هناك قضايا متعددة يريد المجلس الوطني معالجتها من خلال الزيارات الميدانية لمناطق التعدين العشوائي والمنظم لإنتاج الذهب. فالمواطنون يشكون من فرض رسوم عليهم فيما تشتكي الشركات من التعديات من قبل المواطنين على مواقع الامتياز التي منحتها لها الدولة، كما أن بعض الشركات تعمل بطرق تقليدية يستخدمها المواطنون في التعدين العشوائي رغم أن الشركات التي تعمل في مجال تعدين الذهب يجب أن تكون لها مقدرات مالية وفنية كبيرة توظف لزيادة إنتاج الذهب، كما أن هناك عدم تنسيق بين الولاية والوزارة الاتحادية ناتج من تداخل الاختصاصات، ولذلك لابد من إطلاع الشركات حكومة الولاية على عقود الامتياز والعمل على مراجعة نصيب الولاية من الذهب الذي تنتجه الشركات العاملة فيها ومنح الولاية حق مراقبة الشركات وضبط نشاطها. ويضيف المهندس الصافي محمد الطيب: عقود شركات إنتاج الذهب يجب أن تضمن فيها الخدمات التي تقدم للمواطنين وتمثيل الولاية في مجالس إدارات الشركات حتى تستطيع القيام بمهامها بصورة جيدة تجاه الشركات ومواطنيها، ولذلك زيارة الوفد كانت خاصة بدراسة مشاكل التعدين المختلفة في ظل اتجاه الدولة في البحث عن موارد بديلة للبترول الذي سيتراجع إنتاجه بعد إعلان انفصال جنوب السودان في التاسع من يوليو القادم، فالتعدين بصفة عامة يشكل بديلاً مهماً رغم أن هناك قطاعاً كبيراً منه يتم العمل فيه بصورة عشوائية لها انعاكاساتها الاجتماعية والأمنية، فتعدين الذهب يغطي حوالي 46% من مساحة السودان الشمالي، فيما هناك معادن أخرى تتداخل مع الذهب في مناطق التعدين فالسودان وقع حتى الآن ستة وأربعين اتفاقية في مجال التعدين منها تسعة وثلاثون اتفاقية في مجال الذهب الأمر الذي يؤكد أن التنقيب عن الذهب يبشر بمستقبل كبير لأهل السودان، ويتوقع أن ترتفع مساهمة الذهب في ميزانية عام 2012 إلى ثلاثة مليارات دولار، ويواصل المهندس الصافي محمد الطيب حكومة ولاية نهر النيل يحق لها تنظيم العاملين في مجال الذهب عبر محلياتها وتحديد أماكن محددة للتعدين العشوائي.