في الحلقة الثانية تناولنا عمليات التنقيب عن الذهب العشوائي والمخاطر التي تواجه العاملين في آبار التعدين، ومحاولات ولاية نهر النيل انتزاع نصيبها من الذهب الذي تستخرجه الشركات العامة فيها.. ومقترحات المجلس الوطني لمعالجة الصراع حول القوانين التي تنظم تعدين الذهب بين وزارة المعادن الاتحادية التي تملك حق إصدار تراخيص العمل للشركات، وولاية نهر النيل التي تملك الأرض التي يستخرج منها الذهب ولكنها ليست طرفاً في توقيع العقود. وفي هذه الحلقة نستعرض الآثار البيئية والاجتماعية للتعدين عن الذهب بولاية نهر النيل، ومحاولات مجلس تشريعي الولاية سن قوانين ولائية تحفظ حقوق الولاية في التعدين المنظم الذي تقوم به الشركات من خلال تصحيح الوضع القائم حالياً الذي يجعل المحاجر شأناً ولائياً، والتعدين شأناً اتحادياً، فأصبحت الشركات لا تعترف بالحقوق الولائية في تعدين الذهب. فإلى مضابط التقرير: انتشار الأمراض: يقول البروفيسور طلعت عيسى رئيس المجلس الأعلى لحماية البيئة بولاية نهر النيل، التعدين العشوائي بالولاية أصبح واقعاً لا يمكن تجاهله، وهناك قطاعات كبيرة من سكان ولايات السودان الأخرى يعملون فيه، فوجود الكثافة السكانية الكبيرة في شكل تجمعات يتسبب في آثار بيئية متعددة رغم وجود عمليات التنقيب في الصحراء، حيث توجد كميات كبيرة من المخلفات البشرية غير معالجة، كما أن الحفر التي يخلفها المنقبون عن الذهب عشوائياً تؤثر على طبيعة المنطقة الجغرافية، فيما أن استخدام الأطفال للزئبق عند عمليات غسل الحجارة لاستخلاص الذهب يؤثر على صحة وأعصاب الأطفال، ويجعلهم عرضة للعقم في المستقبل، كما أن العاملين في مناطق التعدين العشوائي لا يحصلون على مياه شرب نظيفة، بالإضافة إلى تعرضهم إلى ذرات غبار طحين الحجارة والتلوث الصوتي، فالمنطقة بالوضع الحالي عرضة لانتشار الأمراض.. ولذلك لابد من تنظيم هذه الأسواق والتجمعات السكنية بصورة تسهل تقديم الخدمات، فالولاية لا تستطع القيام وحدها بهذا العمل، لذلك يجب أن تساهم وزارة المعادن وحكومة الولاية في إدارة هذا النشاط المهم حتى يعود بالنفع للجميع. العقيد شرطة/ سيف الدين أحمد الحاج ممثل شرطة الولاية في لجنة التعدين.. يقول: ظهور التعدين بالولاية أحدث حراكاً اجتماعياً كبيراً فيه مختلف الثقافات والعادات والتقاليد، وأتاح فرص عمل قللت نسبة البطالة بالولاية والولايات المجاورة، ولكن التجمعات البشرية الكبيرة التي تجوب الصحراء بحثاً عن التعدين العشوائي للذهب.. باتت تشكل ضغطاً أمنياً كبيراً على قدرات ولاية نهر النيل، حيث حدثت بعض الاحتكاكات بالمدن بين سكان المدن والمواطنين الوافدين من ولايات أخرى، فيما ظهرت بعض الجرائم الوافدة وأصبحت الجريمة في ازدياد، بينما الشرطة تواجه صعوبات في إنقاذ ضحايا الانهيارات الأرضية التي تحدث في بعض الأحيان لعمال التنقيب العشوائي الذين يعملون تحت الأرض على أعماق بعيدة، فخلال شهر واحد ارتفعت بلاغات الانهيارات الأرضية لأكثر من مائة بلاغ، ولذلك لابد من دعم شرطة الولاية بمعدات الإنقاذ الضرورية حتى تتمكن من إنقاذ أرواح المواطنين، وتكون قادرة على القيام بدورها في منع وقوع الجريمة وتأمين مختلف مناطق الولاية بصورة كاملة. ü مجلس تشريعي نهر النيل: مجلس تشريعي ولاية نهر النيل الذي عقد اجتماعاً مطولاً مع أعضاء لجنة التعدين الفرعية بالمجلس الوطني بقاعة محلية عطبرة، ناقش أعضاؤه بصورة موسعة قضايا رقابة حكومة الولاية على الشركات العاملة في مجال الذهب وتقييم أدائها السنوي والسماح للجهات الولائية بالاطلاع على عقود عمل الشركات والشروط الجزائية الخاصة بها، والعمل على إيجاد حلول لقضايا العمالة الكبيرة التي تتواجد بالولاية من الولايات الأخرى بعد أن أصبح عدد العاملين في التعدين العشوائي للذهب أكثر من سكان الولاية، بالإضافة إلى المشاكل الصحية ومشاكل المياه التي تشكل ضغطاً على ميزانية الولاية، ومنع عمليات تهريب الذهب إلى خارج البلاد من قبل التجار، وتأثير التنقيب على الزراعة، حيث غادر معظم المزارعين الحقول للبحث عن الذهب مما أدى إلى تراجع الإنتاج الزراعي بصورة كبيرة بعد ظهور الذهب، كما أن نسبة الفاقد التربوي ارتفعت بصورة كبيرة، حيث أصبح التلاميذ يغادرون مقاعد الدراسة من أجل الذهاب إلى مناطق التعدين العشوائي مما يشكل خطراً على مسار التعليم بالولاية، فقضايا التعدين باتت تنعكس بصورة مباشرة على الولاية. كما أثار أعضاء مجلس تشريعي نهر النيل قضايا تعدي الولايات الأخرى على حدود ولاية نهر النيل بحثاً عن الذهب، حيث طالبوا وفد المجلس الوطني بالعمل على تقسيم مناطق تعدين الذهب إلى مربعات شبيهة بمناطق إنتاج البترول حتى تستطيع الولاية الاستفادة من عائدات إنتاج الذهب، كما ناقش أعضاء المجلس التشريعي قضية الأجانب الذين يدخلون البلاد بطرق غير مشروعة ويعملون في مناطق التعدين العشوائي دون ضوابط أو قيود، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية بمناطق إنتاج الذهب، وحوادث الموت التي تحدث جراء الانهيارات الأرضية والاختناقات داخل الآبار، وشدد أعضاء المجلس التشريعي على إلزام الشركات العاملة في مجال الذهب بتوظيف أبناء الولاية فيها، وتمثيل الولاية في مجالس إدارتها ومراجعة نشاط الشركات التي استولت على مناطق تعدين مملوكة لمواطنين، الأمر الذي أدى إلى نشوب نزاع بين الشركات والمواطنين، حيث تقع بيوت المواطنين ضمن امتيازات تنقيب الشركات دون أن يحصلوا على تعويضات مالية.. فاضطروا إلى التظاهر لإيقاف عمل الشركات. يقول محمد علي هضلول رئيس لجنة الشؤون المالية والصناعة والتعدين بمجلس تشريعي ولاية نهر النيل، التعدين في الولاية لم يستغل بصورة تجارية تدعم الاقتصاد المحلي، فالشركات تنقب عن الذهب بصورة بدائية لا تختلف عن الوسائل المستخدمة في مناطق التعدين العشوائي، في حين أن الشركات تسيطر على مساحات امتياز كبيرة.. فالمجلس التشريعي أجاز قوانين تنقيب ولائية ولكن لم تطبق بسبب تعارض الاختصاصات الاتحادية والولائية، ولذلك إذا لم تعالج المشاكل القائمة حالياً بتشريعات من المجلس الوطني.. سوف يضطر المجلس التشريعي الولائي لتنفيذ قانونه المحلي من أجل حماية حقوق الولاية. يقول الفريق الركن الهادي عبد الله والي نهر النيل، عمليات التعدين التي تجري بالولاية بمسمياتها المختلفة، تتطلب مراجعات شاملة لتتماشى مع الأوضاع الاقتصادية والسياسية التي تعقب إعلان انفصال جنوب السودان، ولذلك الواقع الجديد يتطلب أرقاماً واقعية يمكن الاعتماد عليها في تحقيق المشروعات التنموية، فالدستور الاتحادي رغم أنه يضم نصوصاً حددت مستويات الحكم في مستوياته المختلفة تفصيلاً على اتفاقية نيفاشا، إلا أن هناك اختلافات كبيرة في وجهات النظر حول النظرة لقضايا التعدين، فالأرض اختصاص ولائي وأيضاً المحاجر.. ولكن المعادن التي توجد في باطن الأرض اختصاص اتحادي، الأمر الذي أدى إلى عدم الوضوح في التعامل بين الولايات ووزارة المعادن الاتحادية التي لها سلطة تحديد الامتياز ومنحه للشركات العاملة التي أصبحت الولايات بعيدة عن مراقبتها وضبط نشاطها، كما أن الولاية تواجه صعوبات في التعامل معها نسبة لاعتقاد الشركات أن تصاديق تراخيصها تصدر اتحادياً، ولذلك تعاملها يجب أن يحصر مع الوزارة الاتحادية دون الولاية. ويضيف الفريق الركن الهادي عبد الله أن تعدين الذهب الذي يتم بولاية نهر النيل غير منظم اقتصادياً، كما أنه لم يتجاوز نظم التعدين التقليدية التي كانت سائدة بالولاية منذ زمن بعيد رغم دخول الشركات التي يفترض أن تغير نهج ومفهوم استخراج الذهب بالمنطقة بصورة كلية، فالولاية حتى الآن لا تعرف كمية الإنتاج الحقيقية للذهب بسبب إخفاء المعلومات عنها، والطريقة الحالية للتنقيب عن الذهب تحتوي على آثار صحية وتدمير للبيئة، فيما أن «50%» من إنتاج الذهب يهرب بسبب ضعف الرقابة وعدم وجود شرطة جمارك بمناطق الإنتاج.