العديد من الأسرار والخفايا في تاريخ السودان ظلت مكتومة في صدور العديد من النساء والرجال الذين عاركوا هذه الأحداث وعاشوها بكل تفاصيلها، ومن بين أشهر المحطات في تاريخ السودان كان انقلاب نوفمبر 8591م والذي كان أول انقلاب عسكري يشهده الوطن وإن كان البعض يقول إن ما تم هو عملية تسليم وتسلم. ونحن في هذا الحوار نلتقي مع شاهد عصر على أحداث ذلك الانقلاب بكل تفاصيله وهي الأستاذة سالمة أحمد عبد الله حامد، كريمة الراحل اللواء أحمد عبد الله أحد أبرز أعضاء المجلس الأعلى الذي تسلم زمام السلطة في نوفمبر 8591م، والرجل أسهم بالقيام بالعديد من الحركات ضد المجلس الأعلى نفسه وتمت محاكمته على ذلك، وحول هذه الأسرار والحكايات المهمة في تاريخ السودان كان هذا اللقاء مع الأستاذة سالمة: ٭ أستاذة سالمة.. بداية حدثينا عن الراحل اللواء أحمد عبد الله حامد؟ - ولد اللواء أحمد عبد الله بمدينة أم درما حي العباسية في العام 6191م، وهو ينتمي لقبيلة الجعليين وموطنه الأصلي منطقة جوبر سليمان في شندي، وهو من أسرة عريقة، فوالدته ابنة الخليفة محمد شريف خليفة الإمام المهدي، وقد تلقى تعليمه بمدارس العباسية.. الأولية غردون التذكارية وبعدها التحق بالكلية الحربية عام 8391م، وتخرج في العام 9391م وعمل في عدد من الوحدات العسكرية منها القيادة الشرقية والمنطقة الوسطى وسلاح المهندسين والمنطقة الجنوبية، وشارك في الحرب العالمية الثانية ونال نيشان الخدمة الطويلة الممتازة، وتقلد عدداً من الميداليات بلغت ثلاث عشرة ميدالية. ٭ ماذا بقيت في ذاكرتك من أحداث انقلاب نوفمبر 8591م وأنت شاهد عصر على تلك الحقبة؟ - كانت البلاد تعيش حالة من الانقسامات بين الأحزاب السياسية، وكان القائد العام للقوات المسلحة إبراهيم عبود ينتمي للختمية، وكانت هناك صراعات قوية بين حزبه والأنصار بقيادة أحمد عبد الوهاب وقد كانت شوكة الأنصار هي الأقوى حينها، لذلك حدثت تصفية انتهت بسيطرة الختمية على الأوضاع. وكذلك حدثت في تلك الفترة العديد من حركات التمرد على قيادة انقلاب نوفمبر، وكان أشهرها أحداث 12 مارس 9591م والتي تمثلت في تحرك قوات من المنطقة الشرقية والشمالية بقيادة الأميرلاي شنان ومحيي الدين، وقد انتهت تلك الحركة إلى اعتقال أعضاء المجلس العسكري الأعلى ما عدا اللواء حامد. ٭ لماذا لم يتم اعتقال اللواء حامد؟ - لأنه كان في مهمة أو جولة تفتيشية بمشروع الجزيرة بحكم أنه كان وزيراً للزراعة. ٭ ألم يثر عدم تواجد اللواء أحمد عبد الله حامد الشكوك حوله لحظة حدوث الاعتقال.. وما هو موقفه من التحرك؟ - لم يرتضِ اللواء أحمد عبد الله عملية اعتقال أعضاء المجلس، وبدوره بدأ مفاوضات لحل المشكلة مع كل من شنان ومحيي الدين.. وعقد اجتماعاً للمجلس الأعلى بهذا الخصوص، وانتهى إلى إدخال شنان ومحيي الدين كأعضاء في المجلس الأعلى.. وأوكلت لهم مهام ومناصب وزارية، الشيء الذي جعل عوض عبد الرحمن صغير ومحمد أحمد التجاني وحسن علي كرار يعودون إلى وحداتهم العسكرية بعد أن استقالوا. ٭ تحدثتِ عن حالة الصراع في تلك الفترة بين الختمية والأنصار، كيف كان تكوين المجلس العسكري الأعلى وفقاً لهذه المعطيات؟ - المجلس العسكري تم تشكيله مناصفة بين الأنصار والختمية. ٭ ما هي النتائج التي ترتبت على قرار إدخال شنان ومحيي الدين المجلس العسكري؟ - لم يوافق اللواء أحمد عبد الوهاب على ذلك الوضع.. وطلب الإحالة للمعاش، وبهذا «تكسرت» مجموعة الأنصار داخل المجلس. ٭ لماذا فشلت حركة مارس برأيك؟ - أرى أنهم فشلوا لأنهم كانوا مراقبين، إذ أن هناك ضابطاً من بينهم أفشى سرهم وأفشل مخططاتهم، فأرجعت القوات من حلة كوكو تفادياً لصدام كبير كان متوقعاً أن يحدث، وتجنباً للخسائر في الأرواح.. وتم الرجوع باتصال من محيي الدين بحكمه قائد المنطقة الشرقية، فنفذوا فوراً. ٭ كيف كان التحرك والإعداد لهذه الحركة أساساً؟ - في مارس كانت القوات قادمة من القضارف صوب الخرطوم وأحبطت في حلة كوكو وعادت القوة دون دخولها الخرطوم لتخلف القيادة الشمالية، وهذا وضع كل القوات الانقلابية أمام المساءلة وتقديمهم للمحاكمة العسكرية. ٭ كيف عادت القوات من الخرطوم ولماذا عادت؟ - عادت بعد تفاوض من قبل اللواء حامد، حيث أخبرهم أن البلاد ما زالت وليدة الحرية ولا تحتمل هزة جديدة، وبناءً على هذا القول كانت العودة وأحبطت الحركة وكان برفقته اللواء مقبول الأمين وآخرون. ٭ إلى ماذا كان يهدف هذا التحرك أصلاً؟ - كان لهؤلاء الضباط دور في الحرب الثانية ولكنهم أبعدوا من الجيش العسكري، ولأنني لا أعلم الأسباب سألت اللواء الزين حسن الطيب عن ذلك وتحديداً عن إبعاد شنان ومحيي الدين، فأجاب بأن هناك غبناً كبيراً وقد أعطوا حقوقهم كاملة، إلا أنهم لم ييأسوا وكانوا يخططون لانقلاب آخر بعد إدخال محيي الدين وشنان وإعفاء أحمد عبد الوهاب عن منصبه، وكان لذلك وقع سيء في نفس اللواء حامد ولم يرضه، فقدم استقالته بسبب ذلك ثلاث مرات.. إلا أنها في كل مرة كانت ترفض.