أصبحت كلمة الإصلاح نغمة يترنم بها الساسة وأهل الاقتصاد، وبدأت تتسيَّد الساحة السياسية والحزبية والأوساط الاقتصادية، وحتى المجتمعية هذه الأيام حتى كادوا يُفقدون الكلمة فحواها ومعناها النقي، متناسين أن الإصلاح مفردة متكاملة يحتاج إنزالها أرض الواقع جراحة دقيقة ومعقدة قلا يحتملها من ينادي بها. بيانات متوالية صدرت في الفترة الأخيرة من مجموعة تطلق على نفسها مجموعة إصحاح بالحزب الاتحادي الأصل وأخرى مجموعة الإصلاح تنتقد قرارات مؤسسة رئاسة الحزب وتستنكر قرارات التجميد ولجان المحاسبة التي كونت لمحاسبة بعض أعضاء الحزب في الفترة الأخيرة.. هل حقيقة الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل يحتاج لعملية إصلاح؟! وهل قرارات تجميد بعض أعضاء الحزب بسبب تصريحاتهم وانتقادهم لقرارات رئاسة الحزب تصب في إطار الإصلاح أما أنها تصفية حسابات شخصية كما زعم بعض من أصدرت بحقهم تلك القرارات؟! وقرار رئاسة الحزب الأخير الخاص بتوسعة مظلة هيئة القيادة بإضافة 16 عضو لنفس الغرض.. كل هذه الاستفسارات طرحناها أمام المراقب العام للحزب الاتحادي الأصل بابكر عبد الرحمن باعتباره الجهة المناط بها المراقبة والضبط المؤسسي. أولاً وجه المراقب العام انتقادات لاذعة لتلك المجموعات التي تصدر بيانات دون إظهار هويتها وقال أي شخص يدعو للإصحاح والإصلاح يأتي لمؤسسات الحزب التي تعمل في العلن وليست مندسة في باطن الأرض وتطالب بما تطالب به.. فالحزب للجميع.. ولكن في اعتقادي أن المسائل لا تؤخذ بهذا الشكل وعلى الذين يقومون بدس مثل هذه البيانات الإفصاح عن هويتهم ومواجهة مؤسسات الحزب وأن يوجهون انتقاداتهم وآرائهم في العلن. مشيراً إلى أن القرارات الحزبية العليا تحسمها قيادة الحزب ولا علاقة للعضوية المحلية بها. وقال لو تركنا كل محلية تتحدث بلسانها في سياسة الحزب فإن الأمر يصبح فوضى فرئيس الحزب وهيئة قيادته موجودون ويقررون، فكل الذي نقوم به يأتي في إطار الضبط والانضباط، والحزب لا يحتاج لعملية إصلاح، وما نقوم به عمل روتيني وليس إصلاحاً وليس تكميم أفواه، بل المقصود منه أن تطبيق المؤسسية بصورة سليمة وكل من يخرج عن الخط العام يحاسب داخل مؤسسة الحزب، وليس الأمر متعلق بحسابات شخصية كما يقول البعض. عملية إصلاحية: أما الأستاذ عثمان عمرالشريف مسؤول التنظيم بالحزب يرى أن الحركة السياسية في السودان عموماً تحتاج لثورة وإصلاح، مشيراً إلى أن ذلك نتج منذ خروجها من رحم مؤتمر الخريجين إذ تعرضت لكوارث كثيرة وأمراض مبكرة مثل مرض كساح الأطفال. ويؤكد أنها تحتاج لعملية إصلاحية لوضع المسار الصحيح لأي حزب ديمقراطي يتشكل من قوة اجتماعية صاحبة مصلحة في التطور، ولديها منهج للوصول لأهدافها بالطريقة الديمقراطية عبر المؤسسة. ويرى الشريف أن أول خطوة في طريق الديمقراطية لدى الأحزاب قيام المؤتمرات القاعدية في الأحياء لاختيار القيادات المحلية، يليها اختيار القيادات للمستويات الوسيطة، وهذه بدورها تلتقي على القيادات صاحبة الفكرة التي تتحمل المسؤولية الفكرية والتنظيمية في شكل مؤتمر عام. طائفية وقبلية: أما فيما يتعلق بالحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل فيرى الشريف أنه لا يختلف عن غيره من الأحزاب السودانية، وقال إنه خرج من رحم الحركة الاتحادية وتعرض لنفس الأمراض التي تعرضت لها تلك الأحزاب المتمثلة في ضغط المجتمع الذي تشكله الطوائف والقبائل في فترة الخمسينات.. وحركة الحزب الاتحادي تعرضت لذات الضغوط «القبلية والطائفية»، ونتيجة لذلك دخل عنصر جديد في اللعبة السياسية يتمثل في الجيوش، والحزب الاتحادي تعرض لكل البطش والمعاناة بسبب تدخل الجيش في السياسة، الأمر الذي منع التطور الطبيعي للأحزاب وفتح الطريق للانتهازية وأصحاب القدرات الخاصة في مجال السياسة وولوج أناس غير مدربين في السياسة. وطوال ال40 سنة الماضية فرضت الأنظمة العسكرية مناهجها المخالفة لطبيعة الأشياء. أما عن دعوات الإصلاح للحزب فيعتبرها الشريف شيئاً طبيعياً موجوداً في الأحزاب، وقال إن الاتحادي كحالة خاصة أحوج ما يكون لعملية ثورية تستهدف إعادة ترتيب وتنظيم صفوفه وإعادة الهيكلة وتفعيل القوانين التي تحكم الحزب ودستوره، والدعوات الآن متجهة نحو مؤتمر عام فلا يوجد بالحزب غياب للأفكار والكوادر بل نحتاج للقوالب التي يمكن من خلالها تفعيل الحزب في شكل هيكل وهذا لن يحدث إلا عبر المؤتمر العام. نحاسب ولكن: وفيما يختص بمحاسبة أعضاء الحزب يقول عثمان: ظاهرة المحاسبات غير طبيعية وغير معروفة في الأحزاب، فقديماً كان يحاسب من يخرج عن منهج الحزب وقرار الجماعة، ولكن لم تكن المحاسبة لإبداء الرأي، ومن حق أي عضو في الحزب أن يقول رأيه ويجب أن يكون إبداء الرأي بحسن نية.. والحزب محتاج لتفعيل اللوائح وتحديد ما يمكن أن يحاسب عليه العضو، إلا أن إفشاء أسرار الأحزاب والحديث عن قراراتها يجب المحاسبة عليها والتعامل معها بحسم. والحزب الاتحادي الأصل الآن يسير في الطريق الصحيح، وليس كما يشاع عنه ويعمل على تفعيل هياكله لتؤدي دورها المنوط بها. وللطلاب رأي: واستنطقت «آخر لحظة» نائب أمين أمانة الطلاب وعضو المكتب السياسي محمد هاشم البشير، فقال: الجهات التي تصدر بيانات سياسية لم تسم نفسها بشكل واضح وتعمل في الظلام.. قد تكون من أشخاص لهم مصالح شخصية أو قد تكون في أشخاص لا يستطيعون توصيل رسالتهم بالشكل المطلوب عبر المؤسسية، وقد تكون من أشخاص لا علاقة لهم بالحزب الاتحادي الأصل.. ولكن في كل الأحوال فمسألة الإصلاح داخل أي مؤسسة سياسية يجب أن تتم وفق الأطر التنظيمية المتاحة، فالحزب الاتحادي الأصل له هياكله ومكتبه السياسي وقيادته ولا يوجد عقل بشري مكتمل حتى يكون هناك حزب سياسي لا تنقصه أشياء. أما عن قرارات الفصل والتجميد يرى محمد هاشم أن كل مؤسسة بالحزب تحمل مجموعة من الاختصاصات المحددة، وقرارات الفصل والتجميد لها جهات محددة مسؤولة عنها وتصدر قراراتها وفق اللوائح ودستور الحزب. فالحزب الاتحادي ظل طيلة الفترة الماضية يشكل معارضة للنظام الموجود في الخرطوم، والكل يعلم أن النظام لا يتيح حرية التعبير، وقد شكل الحزب لجاناً وقطاعاً تنظيمياً وهيئة قيادة منوط بها عقد المؤتمر العام. ويرى هاشم أن حزبه لديه مؤسسات سياسية منوط بها الحديث للإعلام باسم الحزب، وأي جهة أخرى تتحدث باسم الحزب يعتبر رأياً شخصياً ولذلك أي حديث عن المشاركة في الحكومة يعتبر رأياً شخصياً، وحسب علمي أن الحزب لم يتناول مسألة المشاركة في السلطة على الإطلاق.