هل نحس ونشعر بوجود التلفزيون القومي ونتابعه ونترقب برامجه المختلفة ونحفظ مواعيدها ونحرص على مشاهدتها؟.. وهل تشبعنا حواراته وأخباره وترد على سيل الأسئلة عن حقيقة ما يدور في الساحة السياسية السودانية والعربية؟.. وهل.. وهل.. وهل..؟.. وهل كل هذه التساؤلات وغيرها تحتاج منا للتردد ولو للحظة في الإجابة عليها؟.. فالإجابة واضحة ولا تحتاج لأي جهد أو تفكير، فهي لا.. ثم لا وألف لا.. فنحن لا نحس أو نشعر بوجوده لابتعاده عن نبض الشارع، ولا يلبي طموحات وتطلعات المشاهدين الذين ابتعدوا عنه عن طيب خاطر واتجهوا للقنوات الأخرى المحلية والخارجية، وبرامجه الحوارية فحدث ولا حرج، فهي تفتقد للمهنية كحال أخباره التي لا تتعدى كونها أكثر من أخبار العلاقات العامة مثل زار الوزير الفلاني والمسؤول الفلاني كذا وكذا، ارحمونا يرحمكم الله.. فماذا نستفيد من مثل هذه الأخبار البائسة التي لا تغني جوع المشاهدين في إشباع أسئلتهم الحائرة.. كل ذلك وغيره أدى إلى نفور المشاهدين من شاشة التلفزيون القومي، ووصل حال الأشياء منهم إلى إطلاق عدد من النكات التي تسخر منه ومن أدائه الباهت.. أشهرها تقول: إذا أتاك ضيف ثقيل الظل وعكر مزاجك وأردت أن تبعده عن منزلك.. فما عليك إلا أن تدير مؤشر التلفزيون على الفضائية السودانية.. فهل هناك رفض للسياسة البرامجية التي تتبعها إدارة التلفزيون أكثر من ذلك.. فماذا تنتظر إدارته العبقرية حتى تعيد له هيبته المفقودة وتنتشله من هذا الهوان الذي استمر طويلاً.. ولكن لا حياة لمن تنادي، فنظرية حارس البوابة ما زالت مسيطرة عليه.. وحقيقة كل هذه الحقائق التي ذكرتها هي معلومة للجميع.. ولكن ما دفعني لسردها مرة أخرى هي الخطوة المحبطة التي أقدمت عليها إدارته في التدخل في عمل أحد البرامج الحوارية الناجحة (حزمة ضوء) التي افتقدها التلفزيون كثيراً، والذي يقدمه الأستاذ مصطفى أبو العزائم رئيس تحرير صحيفة (آخر لحظة)، وفي البداية أحب أن أوضح أن حديثي هذا ليس (كسير تلج) لرئيس تحرير الصحيفة التي أعمل بها، فأبو العزائم ليس في حاجة لذلك لأنه إعلامي شامل فرض اسمه بقوة في الساحة الإعلامية والصحفية بوجه الخصوص، رغم عشقه وحبه الواضح والصريح (للحيشان) الإذاعة والتلفزيون.. ويقول عنهما إنهما بيته الإعلامي الأول، فهو لا يحتاج لقلمي للدفاع عنه ولكن أنا هنا أتحدث عن المبدأ وأتساءل إلى متى تفرض إدارة التلفزيون الرقابة القسرية على المنتجين والمعدين والمخرجين والمقدمين ولا تمنحهم التفويض الكامل لطرح القضايا المختلفة التي يتلهف المشاهدون لسماع إجابات صريحة للكثير من تساؤلاتهم حتى لا يجدوها بصورة مغايرة للحقائق في القنوات الخارجية، فإلى متى يسيطر حارس البوابة الهزيل على الموقف داخل (الحوش)، وهل تنعدم فيه المؤسسية لهذه الدرجة؟ وإذا رضينا بذلك.. فهل تعتقد إدارة التلفزيون واهمة بأن أبا العزائم يرضى بتحديد ضيوفه ومحاوره من أجل الظهور عبر هذه الحلقات بصورة باهتة تخصم من تاريخه المهني العامر بالآراء الجريئة والمصادمة؟.. فضيف الحلقة التي استقال بسببها أبو العزائم هو مدير الهيئة العامة للحج والعمرة الذي تثار حوله الكثير من الاستفهامات والتي أحيل بموجبها للتحقيق وتم إيقافه عن العمل، ثم رفض تنفيذ القرار، فطلبت إدارة التلفزيون عدم التطرق لكل هذه الأسئلة نهائياً والاكتفاء بتسليط الضوء على الخطوات التي يجب أن يتبعها المعتمر أو الحاج، وليس بغريب أن يرفض أبو العزائم مثل هذه المهازل خاصة وأن المدير موقوف رسمياً وقضية إيقافه هي الأساس في محور الحوار.. فإذا كانت هذه العقلية هي التي تدير التلفزيون.. فعن أي (حزمة ضوء) يتحدثون.. ألا رحم الله البرامج الحوارية الهادفة في تلفزيوننا القومي.