كما كان متوقعاً للمراقبين تفجرت الاوضاع في ولاية جنوب كردفان ونشبت الحرب المفتوحة بين الحكومة وقوات الحركة الشعبية الشريك السابق والمنفصل في يوليو القادم ومع الأوضاع الأمنية بدأت معاناة الدولة من تداعيات الحرب وإفرازات الصراع ممثلة في التدخلات الأجنبية تحت مظلة الأوضاع الانسانية الناتجة عن الحرب وبدأت ململة المؤسسات الحكومية من خلال التصريحات الرافضة لإستغلال ظروف الحرب في جنوب كردفان لتصفية حساباتها وتنفيذ أجندتها وتقديم التقارير السالبة عن الإنتهاكات في المنطقة وإصرارها على تقديم التنازلات من قبل الدولة لتسهيل دخول العاملين في المنظمات الأجنبية إلى عمق المجتمع المحلي ومطالبة مؤسسات الأممالمتحدة بتأمين مسارات الإغاثة وحماية المدنيين. معاناة الحكومة لم تتوقف على المستوى المحلي والانساني في المنطقة انما إمتدت إلى المستوى السياسي والدبلوماسي مع الدول الأجنبية في إشارة منا لايقاف الجهات المسؤولة لإثنين من الدبلوماسيين العاملين بسفارتي دول عظمى في مناطق الصراع دون تبرير أو علم الخارجية السودانية. معاناة الدولة من التدخلات الأجنبية السالبة هي ذات المعاناة التي وجدتها من المنظمات الأجنبية في حرب الجنوب وفي حرب دارفور والتقارير التي تقوم برفعها هذه المنظمات هي التي أوصلت الحكومة إلى ساحات مؤسسات الأممالمتحدة وقرارات مجلس الأمن الدولي والجنائية الدولية والتي جعلت كل قطاعات المجتمع السوداني تطالب بالبديل الوطني في تقديم العون الإنساني للمجتمعات المحلية وعلى قمة الدولة طرح السيد رئيس الجمهورية قرار سودنة العمل الانساني قبل أكثر من عامين تقريباً محدداً فترة السودنة بعام واحد. إن الذي يحدث الآن في جنوب كردفان دليل قاطع على فشل مشروع السودنة وعجز المؤسسات الرسمية والشعبية في إحداث تغيير لصالح الوطن في خارطة الخدمة الانسانية المطلوبة في الظروف التي تمر بها بعض أقاليم السودان. لقد كتبت في هذه المساحة قبل عام محاولة مني لوضع أفكار السودنة عن مدى المأساة التي تمر بها شبكة منظمات جبال النوبة تحت عنوان(شبكة منظمات جبال النوبة ويوم مندم) والتي لحظتها وحتى اليوم عانت من الافقار الممنهج وإغلاق سبل استمرارها وهي الشبكة التي تحت مظلتها أكثر من ثمانين منظمة قاعدية منتشرة في مناطق جبال النوبة خاصة ان المنطقة من المناطق التي طالتها الحرب قبل فترة وذات إرتباط عضوي بحرب جنوب السودان وعاشت تحت مظلة الاتفاقيات الدولية ومرشحة لمثل الأزمة التي تعيشها الآن. لقد تجاهلت مؤسسات الدولة الرسمية بناء قدرات المنظمات القاعدية ودعمها في المناطق المتوترة في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق وسارت هذه المنظمات مدجنة خلف منظمات الأباطرة تفتح لهم باب الخزينة العامة وتيسر لهم جلب الدعم الخارجي فأسسوا إمبراطورياتهم في أفخم شوارع العاصمة إلى جانب أرتال السيارات التي لا تعرف الطرق الوعرة والاستثمار في سيارات الاسعاف المؤجرة للفقراء بأغلى الأثمان والاستعصام بالعاصمة فأخذت وما أنجزت لمصلحة الدولة أو الوطن. لقد وجدت المنظمات الأجنبية ذات الأجندة الميدان خالياً من المنظمات الوطنية التي كانت تستطيع من خلال استنهاض المجتمع المحلي في جنوب كردفان للقيام بدوره في مواجهة الأزمة الإنسانية في تلك المنطقة وتستطيع المنظمات القاعدية ان تجلو القيم والأعراف وتستلهم العادات والتقاليد السودانية في معالجة الوضع الانساني والمحافظة على الهوية لو أنها وجدت قليل من الاهتمام والرعاية الرسمية وبمثل ما فرَّ الدكتور عبد الباسط رئيس شبكة جبال النوبة وأمينها العام الأستاذ الشعراني النميري فقد إنكفأ السفير الطريفي كرمنو على شبكة منظمات النيل الأزرق التي تذوب مثل لوح الثلج وقد شواها التجاهل والإزدراء لتلحق بأخواتها السالفات وأخشى أن يأتي يوم نندم لشبكة النيل الأزرق. إن الضرورة تفرض علينا المطالبة بإعادة النظر في مؤسسات التطوع والعمل الانساني لمواكبة الأحداث وإعلاء الأجندة الوطنية وإعلاء باب تنطع المنظمات الأجنبية وآثارها الإجتماعية والثقافية السالبة ومن الضروري الالتفات للمنظمات القاعدية في أطراف السودان والسعي لرفع قدراتها من خلال الدعم الفني والمادي وتأكيد سودنة العمل الإنساني لا يكتمل الا بوجود منظمات قاعدية من المجتمعات المحلية ومناطق النزاعات فأهل مكة أدرى بشعابها. إن رجاءنا المرفوع للدكتور مطرف صديق وزير الشؤون الانسانية القادم من مجال العلاقات الخارجية والذي يتولى إدارة المنظمات بالمؤتمر الوطني والذي يدرك خفايا دور المنظمات الاجنبية وأجندتها ومعاناة السودان أن يعير المنظمات الهامشية في مناطق الحروب والنزاعات إهتماماً أكبر ويسعى فيما بقي من عمر الوزارة لترتيب سياسات مفوضية العون الإنساني المنكفئة واللاهثة خلف منظمات الأباطرة وذلك لمصلحة الوطن. ولله الحمد