صحيح إن الاتقاف الإطاري قد حقق لك ولجماعتك ما يعتبر رصيداً لكم ولقضية النيل الأزرق، ولكن لا تبالغ في الفرح بما كسبت من اعتراف بشرعية الحركة وبحق الإندماج وفسحة المشورة الشعبية، لأن هذا حدث سعيد لا يشمل كل الناس. بل إنه أساساً تحقق لك ولجيشك وحزبك، فماذا تحقق لشعب النيل الأزرق في أديس أبابا؟ هل استطعت أن تنتزع حق قسمة الثروة كما فعل جون قرنق لشعبه أم تظن أننا سنهنئك لأن «جماعتك» ستشارك في قسمة السلطة؟، وهل تستطيع أن تجيب على سؤالنا عما إذا كانت الشراكة في السلطة ستغدو مكسباً لكل أبناء النيل الأزرق وجنوب كردفان، أم أنك باسم قضايا هاتين المنطقتين ستمنح الوزارات لياسر عرمان وأصدقائك العلمانيين، لأن غيرهم غير مؤهل وغير مستحق؟ وهكذا تستمر في إقصاء أبناء الولاية الخبراء فقط لأنهم ليسوا حركة. السيد مالك، إن لم تكن تعلم فاعلم الآن أن قضية النيل الأزرق ليست العلمانية والحريات الديمقراطية ومثل هذه المطالب التي تخص المجتمع المدني، إن مجتمع النيل الأزرق وجنوب كردفان ليس مجتمعاً مدنياً لتطبق فيه مطالب المجتمع المدني ومؤسساته. نعم الاتّفاق مكسب، وأقل ما قدمه لإنسان الولاية أنه ضمن له السلام على الأقل، وهذا كان في كف عفريت في ظل «الهجمة» التي تخبئها وراء ظهرك دائماً فتلوح بها متى شئت.. حتى صدقوا الحلو ولكن ليس هنالك شيء مضمون بالنسبة للمساكين، وليس هنالك أكبر من هذا السلام باعثاً للتفاؤل بما تحقق أخيراً. ولكن أين ضمانات التنمية يا مالك، أين صندوق الإعمار؟ إلى متى وأنت تهمل هذا الأمر، والى متى وأنت تفكر فقط في قسمة السلطة وصلاحياتك وتوسيع ماعون الشراكة وفي تحقيق الراحة والمال لأتباعك، وضباطك وجنودك ومستشاريك الأصدقاء؟!. المسؤولية الآن مضاعفة أكثر من أي وقت مضى، فليس معقولاً أبداً أن تستخف بالتنمية إلى هذه الدرجة، فتجعلها طرحاً ضمنياً، ليس فيه استحقاقات محددة كماً ونوعاً وزمن تنفيذ!. أبناء الشرق تجاوزوا هذه المرحلة وأنت لا تزال تحرز المكاسب لناسك، وهكذا تجعل المكاسب السياسية غنيمة حرب لا يستحقها إلا الجنود ومستشاروك.. هل النضال نهب مسلح؟؟ كفى سلطة وصلاحيات و «مجابدة» مع المركز قائمة على رزق اليوم باليوم، أعطوك أو منعوك. ما لهذا انتخبك مواطن النيل الأزرق الأشد فاقة وتهميشاً في العالم، وإنما انتخبوك لتنتزع لهم حقوقهم المتمثلة في التنمية الشاملة والسريعة لأن العمر يمضي والناس على نار يتقلبون في انتظارك.. وأن حقوق هؤلاء ليست هي المناصب الدستورية التي يتقلدها «الجربندية» ومثيرو الفزع ومعلمو الابتدائية ولكن حقوقهم تتمثل في خطوط المياه النقية، اليوم قبل الغد، وفي خطوط الكهرباء، اليوم، وفي الطرق المعبدة، اليوم، والمستشفيات اليوم، والمدارس وفرص العمل، ذلك لأن العطش والظلام والمرض وطين الخريف الطويل بجانب الجهل والفقر كلها مثبطات حياة حضورهن لا يحتمله أحد طويلاً.. فما بالك بدهور وأجيال انقطعت والناس تأمل وتغضب وتحتج وترجو وتتصبر دون جدوى.. فأين صندوق إعمار النيل الأزرق الآن يا مالك؟. أين هو إرنا إياه. فيما اتفقت عليه مع نافع في أديس.. لا تقل إن هذه مجرد تفاصيل لاحقة ومقدور عليها، أو أن هذا هو نضالكم المقبل، لأننا سنسألك لماذا لم تكن السلطة وشرعية الحركة وترتيب الأوضاع أمراً مؤجلاً وتفاصيل لاحقة؟. هل الأهم بالنسبة إليك ثانوي بالنسبة لشعبك؟ واللاحق عندك هو الأساس والأول عند شعبك.. وهل هذا وضع سوي ومرجو من أمثالك.. لقد هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية، ولكنك لا تهرم أبداً من الاكتفاء بالسلطة والمزيد من السلطة وكفى.