إن بلادنا مقبلة على واقع ستكون فيه محتاجة إلى ترشيد الانفاق الحكومي والحد من مظاهر الترهل في الوظائف وتقليل الصرف إلى أقصى حد، وخاصة في البنود التي نرى أنه لا معنى أو فائدة منها، ومن ضمن ما يجب ذكره في هذا الصدد أن يتم تسريح ما يسمى بمجلس النواب أو أعضاء البرلمان في المجلس الوطني، ومن الملاحظات التي تثير الانتباه أن التلفزيون عندما ينقل خبراً عن جلسات البرلمان، فأنت ترى المقاعد خالية إلا من أعداد بسيطة من النواب يتوزعون على القاعة الواسعة هنا وهناك، ولكني لابد أن أشهد بالحضور الملتزم لعضو واحد في كل الجلسات تقريباً وهو ابن منطقتي وابن عمي د. الحبر نور الدائم وهو يكون ظاهر الوجود في كل الجلسات، لأن مقعده خلف منصة المتحدثين مباشرة، وعندما يأتي متحدث إلى المنصة، فأنت تشاهد دكتور الحبر خلفه، وعن هذا الموقع قد كان لي حديث مع دكتور الحبر عندما قابلته في مناسبة عند أهله بمنطقته بالسروراب، وقد كان لقائي معه مباشرة بعد أن ألقى السيد وزير المالية خطابه المشهور والذي أعلن فيه الزيادة على المواد البترولية ولم يتحرك النواب في ذلك اليوم ولم يعترض منهم أحد على هذه الزيادة. فقلت لدكتور الحبر لقد كان أفراد الشعب السوداني يستمعون إلى خطاب وزير المالية بالزيادات وهم ينظرون إليك وأنت خلفه ولم تبدِ أي اعتراض، وقد كانت النظرات إليك تعبر بالسخط والغضب على كل أعضاء المجلس ولكنها موجهة إلى الشخص الذي أمامهم ويشاهدونه. وقلت لدكتور الحبر لابد لك من تغيير موقع مقعدك حتى لا تكون مثار سخط وغضب عند الجماهير، فضحك د. الحبر كعادته وابتعد عني قبل أن أسمعه المزيد من الانتقادات، وبالمناسبة فإن د. الحبر زميل دراسة وعندما كنت أداعبه أمام آخرين عندما يأتي لمناسبة أو لمحاضرة عند أهلنا بمنطقة السروراب، وأقول للحضور الحبر زميل دراسة ولكني كنت أشطر منه، فيرد ضاحكاً ولكن هل هناك من يصدقك!! المهم أن الكلمات عن د. الحبر قد كان من أسبابها إبداء الرأي حول عدم وجود المنفعة أو المصلحة التي تعود على الشعب السوداني من وجود هذا الكم الهائل من أعضاء المجلس الوطني، وفي هذه الظروف الاقتصادية التي تعيشها بلادنا بعد الانفصال وهم يتقاضون مرتبات ومخصصات البلاد أولى وأحوج لتوفيرها، وهم كما ذكرت غير جادين حتى لحضور الجلسات وأن هذا قد ثبت بشهادة السيد نائب رئيس المجلس هجو قسم السيد والذي نبههم وحذرهم بأنه سيقفل الباب بعد الحادية عشرة تماماً ولا يسمح لأحد بالدخول نهائياً، وسوف يرفع الجلسة حال عدم اكتمال النصاب القانوني معتبراً كل من لا يحضر الجلسة غائباً، وحديث نائب الرئيس في ذلك اليوم كانت أسبابه بأن الجلسة قد تأخرت عن موعدها حوالي أربعين دقيقة وكان السيد نائب رئيس المجلس قد أظهر الكثير من الغضب وتأسف كثيراً وهو يشهد مقاعد النواب وهي خالية من الأعضاء، وقال منبهاً ومحذراً في ألم بأن هذا المنظر لا يليق بمجلس نواب الشعب، واعتقد بأن هذه إدانة صريحة لا تحتاج لبينة أو دليل طالما شهد بها نائب رئيس المجلس، وهي شهادة تؤكد بأن السادة النواب غير جادين أو حريصين للقيام بواجبهم الذي تم اختيارهم له، وأهم ما فيه حضور الجلسات ولكن الحقيقة التي يجب أن نقولها بأن من يسمون نواب الشعب لم يحرصوا يوماً على حماية قضايا المواطنين أو الدفاع عنهم، ومنهم من لم يعودوا لدوائرهم أو يعملوا على ملاحقة مشاكل مناطقهم، ونحن نسمع الآن بأن العديد من المواطنين يجأرون بالشكوى بأن نوابهم لم يتفقدوهم ومنذ أن أعلن فوزهم لم يعودوا إلى دوائرهم، وأن كل الوعود قبل الانتخابات قد تبخرت وأصبحت في خبر كان، والسبب في اعتقادي أن كل المناطق لم تعطَ في كثير من الدوائر أصواتها للنواب اقتناعاً بهم ولا للمؤتمر الوطني إيماناً بمبادئه، بل فقط لأنه الحزب الحاكم وفي يده السلطة ومقاليد الأشياء، وهو الذي يملك كل شيء وخوفاً على مصالحهم وقضاء حوائجهم نفذوا تعليمات التصويت لأعضاء قد فرضوا عليهم وكانوا قد رفضوهم علناً، والنواب يعلمون هذه الحقيقة، لهذا فإن أغلبهم لم يعودوا مرة أخرى لدوائرهم، وأصبح نواب المجلس أصحاب مصالح خاصة يحرصون عليها، والمؤسف فقد كتبت الصحف بأن بعضهم قد أرادوا تقديم عريضة لزيادة مرتباتهم، ولكن آخرين لهم حياء وخجل قد رفضوا هذا الطلب لأن فيه عدم تقدير لواقع البلاد الذي تعيشه والمتوقع حدوثه، ولهذا فنحن نتمنى أن يصدر السيد رئيس الجمهورية قراراً عاجلاً بحل هذا المجلس لأنه لا توجد ضرورة له، كما أننا نطالب بالمثل بحل كل مجالس الولايات والمحليات لتوفير الأموال التي تصرف عليها لدعم النقص الذي سيحدث في الميزانية بعد أن تم تنفيذ الانفصال، كما أننا نرى أن الظروف الاقتصادية في بلادنا تتطلب إعادة النظر في الترهل الحكومي والذي يرهق الميزانية العامة وفي غير جدوى، والذي نعلمه أن العديد من الوظائف العليا قد جاءت نتيجة مجاملات وترضيات بداية من المستشارين والوزراء وهم يرهقون الميزانية، بجانب مخصصاتهم المتعددة وبعضهم يستغل وضعه للاستجابة لمطالبه الملحة والتي لابد أن تصرف له- مثال لذلك ما سمعناه ونشرته الصحف عن المستشار الذي طالب وزير المالية بصرف مائة مليون جنيه لقريته التي حرقت- وعندما لم يتم تسهيل الصرف له أراد ابتزاز وزير المالية بتمليك الصحف بعض المستندات لمبالغ قيل بأنها صرفت على علاج ابن الوزير بالخارج، إننا نناشد السيد رئيس الجمهورية بأن بعض المفاسد قد أصبحت تطل برأسها رويداً رويداً وعليه أن يلحق وقبل أن تغرق المركب وأن يعمل على حل هذه الحكومة وتسريح كل من فيها لسد نقص الميزانية المتوقع، وأن تسيّر البلاد بعدد ضئيل ومحدد حتى قيام انتخابات عاجلة لا تزيد عن عام واحد.