تعيش ولاية النيل الأزرق هذه الفترة في قلق وتوتر نابعين من طبول الحرب التي تدق، والحرب مازالت دائرة في دارفور منذ عقد من الزمان تقريباً بينما كان في الإمكان حل مشكلات دارفور بالتي هي أحسن إلا أن دعاة الحرب أشعلوها وفي ظنّهم أن القوة ستقضي على مطالب ومشكلات أهل دارفور وفي النهاية عجزوا عن القضاء على المشكلة وعجزوا عن إيقاف الحرب التي دمرت دارفور وشردت أهلها وأدت إلى اضطراب الأمن فيها، وكانت سبباً في أن تطلب المحكمة الجنائية الدولية مثول مولانا أحمد هارون والي جنوب كردفان الحالي أمامها وفي أن تطلب بمذكرة توقيف رئيس الجمهورية وهو رمز السيادة الوطنية ومن تداعيات ذلك رأينا وفود أعضاء مجلس الأمن تزور السودان مرتين وفيهما يمتنعون عن مقابلة رأس الدولة بحجة أنه مجرم مطلوب للعدالة أمام المحكمة الجنائية الدولية، وعندما يُسافر سيادته في زيارة رسمية لدولة صديقة تنقبض أنفاس ملايين أهل السودان خوفاً وشفقة فقد تعترض طائرته طائرات الدول الحاقدة وكم طلبوا من تشاد وكينيا تسليمه إليها وكم بذلوا من محاولات وضغوط على جمهورية الصين الشقيقة حتى تلغي زيارة الرئيس البشير إليها ولكنها رفضت الركوع لتلك الضغوط، وقوات تحت مسميات مختلفة لتستعمر البلاد، إن تداعيات الحرب كثيرة ومؤلمة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وحتماً ليس لها أي إيجابيات ، ونراها الآن في جنوب كردفان بعد أن كانت آمنة مستقرة بعد التوقيع على اتفاقية السلام الشامل في التاسع من يناير 2005م تجبر أهلها على النزوح، وتدمر المساكن وتدخل الرعب في النفوس وتزهق أرواح الأبرياء لثورة في نفس عبد العزيز آدم الحلو لأنه لم يفز بمقعد منصب والي الولاية ومازالت مستمرة فندعو الله سبحانه وتعالى أن يوقفها وينعم على أهلنا في جنوب كردفان بالسلام والأمن والاستقرار. وولاية النيل الأزرق ذاقت مرارة الحرب لعشرين عاماً أدت إلى النزوح والتشرد والفاقد التربوي واللجوء وهدم المباني وإزهاق الأرواح والأنفس الذكية، فسكن النّاس تحت الأشجار وفي ملاعب كرة القدم (الاستادات) حيث وجدت، وفي دور المدارس في زحمة واختلاط ومعاناة حتى إن الفرد منهم ذكراً كان أو أنثى ينتظر الليل حتى يتمكن من قضاء حاجته لأن الليل كما في المثل السوداني يغطي الجبال، ولذا منهم من لا يودون العودة مرة أخرى إلى تلك الأيام الكالحات العابسات بعد أن استقروا وعادت إليهم الحياة المدنية بمدارسها ومراكزها الصحية، وإمدادات المياه الصالحة للشرب، وباتت تلك الأيام السالفات ذكرى غير حميدة في أذهانهم لا يطيقون تكرارها. البلاد بصفة عامة ومنذ إندلاع حركة تمرد الراحل جون قرنق في السادس عشر من مايو 1983م ظلت في حالة حرب مستمرة حتى توقيع اتّفاقية السلام الشامل في يناير 2005م كما سبقت الإشارة ولكن سعادة السلام والاستقرار لم تكتمل حيث بدأت الحرب في دارفور وهي الآن تقارب العقد من الزمان ، وظلت البلاد تبحث لها عن حل في أبوجا وغير أبوجا وأخيراً ولقرابة العامين في دولة قطر الشقيقة في العاصمة الدوحة (دوحة الجميع) وكلفت هذه المباحثات دولة قطر الكثير من الجهد والمال والحكومة السودانية السفر والعودة بطائرات خاصة وغير خاصة وأموال تصرف على المفاوضين وثلاث زيارات للسيد رئيس الجمهورية إلى الدوحة، ثم الحرب في شرق البلاد حتى تم احتواؤها بالتوقيع على اتّفاقية السلام في أسمرا العاصمة الأرترية وبها هدأت الأحوال في شرق السودان الحبيب إلى النفس وبدأت حركة العمران وإعادة التأهيل ، ومشروعات التنمية تظهر وانعقد لذلك اجتماع في الكويت لاستقطاب الأموال لتنمية الشرق وبالفعل أخذ الشرق في النمو والازدهار ، وقبل أن تشتعل نار حرب أخرى في جنوب النيل الأزرق لابد من تلافيها ليس بدق طبولها بل بالعمل على تجنبها مهما كان الثمن فالحرب قد ألقت بنتائج سالبة كثيرة على السودان حتى إن مجلس الأمن أصدر أكثر من خمسة عشر قراراً سالباً ضد السودان وبذا صارت الدولة الأكثر إدانة في مجلس الأمن على المستوى الدولي، ورئيس السودان أول من يطلب للعدالة أمام محكمة دولية، وإذا ما اندلعت حرب في جنوب النيل الأزرق ستكون أكثر إيذاء، وأكثر دماراً من سابقاتها لأن السلاح صار متوفراً أكثر من ذي قبل، والتدريب على السلاح جعل مواطنين كثر أكثر استعداداً لحمله واستعماله والمنطقة حساسة ففيها خزان الروصيرص الذي روى ويروي أكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون فدان من الأرض الزراعية في الجزيرة وامتداداتها وفيها محطة توليد الطاقة الكهربائية المائية والتي كانت حتى قبيل افتتاح خزان مروي المغذي الرئيسي للشبكة القومية للكهرباء بالكهرباء، ويجري العمل في المنطقة في تعلية الخزان لعشرة أمتار أخرى لزيادة الطاقة المائية في حوضه ليصل لى سبعة مليارات متر مكعب من الماء بدلاً من ثلاثة مليارات ونصف المليار متر مكعب بزيادة قدرها مائة في المائة، وأي خلل يؤدي إلى توقف العمل في مشروع التعلية بدون شك له آثاره غير الحميدة وستنعكس على إنتاج سد مروي من الكهرباء لأن تعلية خزان الروصيرص أصلاً لتأمين الماء للتوليد الكهربائي هناك، ويختلف خزان الروصيرص بمواصفاته العالمية في التوليد الكهربائي وتخزين المياه وفي سبل الري عن خزان ميري والمسمى مجازاً خزان، والقريب من مدينة كادوقلي فهو فقط لحفظ الماء. يكفي القوات المسلحة السودانية ما بذلته وما فقدته فهي ومنذ استقلال السودان في الأول من يناير 1956م وحتى اليوم في حالة حرب بالداخل فقد قاتلت ببسالة حركتي التمرد في جنوب السودان الأولى بقيادة الفريق جوزيف لاقو وانتهت باتّفاقية أديس أبابا في الثالث من مارس 1972م والثانية بقيادة الراحل جون قرنق وتوقفت باتّفاقية السلام الشامل في التاسع من يناير 2005م وأخيراً بانفصال الجنوب. عن السودان، ثم في جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق وفي دارفور وفي شرق السودان وجميعها نقول في وصفها حرب المواطن ضد المواطن. وفي الحرب هدر للقدرات العسكرية وتبديد للاقتصاد وخلخلة للنسيج الاجتماعي فالولايات المتحدةالأمريكية تسود العالم اليوم بقوتها العسكرية والاقتصادية والاجتماعية، الناتجة عن الاستقرار داخل الدولة، فليت القوات المسلحة تدخل الجمهورية الثانية وهي تستعد لبقاء قدراتها لتواكب التطورات الدولية في العلوم العسكرية لترفع العنف عن السودان فالضعف يغري بالعدوان، والقوة تمنع الاعتداء فبالقوة تعربد إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط ، وتبعد القوات المسلحة السودانية الغيورة على الوطن عن حرب تستمر مائة عام ، ومثل هذه الحرب دارت في أوربا وعرفت بحرب المائة عام وهي أطول الحروب في العالم، وأقصرها حرب نصف الساعة بين بريطانيا العظمى وزنزبار والأخيرة أعلنت الحرب على بريطانيا وكانت لها سفينة حربية واحدة فاغرقتها البحرية الملكية البريطانية في خلال نصف ساعة وانتهت الحرب، وعلى الذين يبدون الاستعداد للحرب لمائة عام في جبال النوبة أن يعيدوا النظر أعجل ما تيسر فالبلاد في حاجة إلى وضع دراسات ومشروعات تنموية لمائة عام مقبلة وليس الحرب، ونتمنى أن تسكت أصوات الرصاص في كل أرجاء السودان وألا تطلق طلقة من الآن ولمائة عام قادم .. آمين