لم يبدِ د.غازي صلاح الدين حرصاً على نشر وثيقة اتفاق الدوحة، بل ذهب للتشكيك في صحة النصوص التي نشرتها المواقع الإلكترونية بتوقيع د. غازي نفسه، وكعادته طفق الدكتور المثقف والسياسي الحاذق لمهنته التشكيك في قدرات الصحافيين الاستيعابية لما يقوله د.غازي وحده دون سائر السياسيين.. وبات مألوفاً صدور توضيحات أو تفسيرات مغايرة لأحاديثه الصحافية وتصريحاته.. ووجه د. غازي لطمة عنيفة للصحافة في البرنامج الناجح للإعلامي الطاهر حسن التوم، حينما قال: «زهدت في الحديث للصحافيين»!! وفي سياق منهج الغموض حول اتفاق «الدوحة» مع حركة التحرير والعدالة قال غازي صلاح الدين: أولاً إنه لم يتم اتفاق مطلقاً على تخصيص منصب نائب الرئيس لدارفور.. ثم في تصريحات أخرى اليوم التالي وربما في مناسبة أقتضت أن يقول حديثاً يناقض الأول. قال: إن تعيين نائب رئيس من أبناء دارفور هو من نصيب المؤتمر الوطني.. وفي أول ردة فعل سالبة في علاقة الوطني بالحركة الموقع معها الاتفاق (التحرير والعدالة)، قال الأمين العام للحركة بحر إدريس أبو قردة وهو إسلامي منشق عن المؤتمر الوطني ومنشق عن حركة العدل والمساواة، قال إن تصريحات غازي مخالفة لوثيقة الدوحة التي نصت على أن يتم تعيين نائب رئيس جمهورية بالتشاور بين السلطة الانتقالية والمؤتمر الوطني على أن يكون من أبناء دارفور. وحتى لا نساهم مع د. غازي وأبو قردة في تغبيش وعي أهل السودان عموماً ودارفور بصفة خاصة نقرأ نص الاتفاق المادة (23) الرئاسة ونائب الرئيس «دون المساس بالوضع الخاص للنائب الأول للرئيس يتم تعديل الدستور بحيث يتمكن الرئيس من تعيين عدد من نواب الرئيس على نحو يحقق التضمين والتمثيل السياسي لكل السودانيين بما في ذلك من دارفور ويضطلع نائب الرئيس بالمسؤوليات التالية: (1) أن يكون عضواً في مجلس الوزراء القومي. (2) أن يكون عضواً في مجلس الأمن القومي. وفي المادة (24) من وثيقة الدوحة نقرأ: يتم تعيين مساعدي الرئيس ومستشاريه من دارفور وفقاً لنسبة سكان دارفور إلى سكان السودان.. المادة (25) يعين كبير مساعدين للرئيس من دارفور، وفي المادة (26) الفقرة (أ) يستمر أبناء دارفور في المناصب الخمسة في مجلس الوزراء والمناصب الأربعة في وزارات الدولة التي يشغلها حالياً أبناء دارفور (ب) تقوم الحركات الأطراف في هذا الاتفاق بترشيح وزيرين إضافيين في مجلس الوزراء وأربعة وزراء دولة. ü إذا كان ما ورد في نصوص الاتفاقية الموقع عليها في الدوحة صحيحاً بعد أن شكك غازي في كل المسودات التي تناولتها أجهزة الإعلام، فإن الرجل- أي غازي- وقع بيده على اتفاق يمنح دارفور منصب النائب لرئيس السودان وفي ذلك يميز لصالح و لمصلحة الإسلام وليس بالضرورة تفسير هذا التخصيص بالعقل الباطني القائل «أي تمييز لدارفور سيقودنا لمصير الجنوب» لأن الإنكار ورفض الاعتراف بالحقوق من قبل المركز ستترتب عليه في المستقبل نتائج وعواقب وخيمة كانها تمثل معياراً (لمحاصصة) في السلطة، لكنه معيار عادل جداً.. والمطالبة بإشراك دارفور في السلطة بنسب التعداد لا ينبغي أن نغفل حقوق الآخرين ومعيار الكثافة السكانية على اعتباره معياراً وحيداً لتقاسم السلطة بين المركز والأطراف فإن نصيب دارفور الحالي في السلطة سيتناقص لان الجزيرة بولاياتها الثلاثة (سنار والنيل الأبيض والجزيرة) لا يتعدى هامش وجودها في السلطة ل5% وكردفان أقل من 2% والشرق 10% ودارفور 30% بحسابات المواقع المرئية بالعين المجردة.. لكن منهج (المحاصصة) الذي ترفضه الحكومة علناً وتقبله سراً سيمضي إلى حين إعادة تشكيل السودان الجديد وهيكلة السلطة فيه. ü أنشأت اتفاقية الدوحة مستوى رابعاً من السلطة في دارفور من الناحية العملية.. فالوثيقة تتحدث عن سلطة انتقالية في دارفور تتكون من رئيس تنفيذي ونائب للرئيس التنفيذي ووالي ولاية شمال دارفور ووالي جنوب دارفور ووالي غرب دارفور كأعضاء في السلطة الانتقالية ونواب لرئيس السلطة في ذات الوقت ومساعد للرئيس للشئون الإقليمية وعشرة وزراء أو أمناء.. فالوثيقة من أجل تمرير الاتفاق في اللحظات الأخيرة حتى لا ينهار ويسقط قبل التوقيع.. ثم التراضي على صيغة تلبي رغبة حركة التحرير والعدالة بتسمية عشرة وزراء في السلطة وتلبي في ذات الوقت رفض المؤتمر الوطني لمناصب الوزراء في السلطة الانتقالية.. وإمعاناً في السير بدروب الترضيات تمت تسمية وفاقية مثلاً (وزير - أمين) للزراعة والثروة الحيوانية و(وزير - أمين للمالية والتخطيط الاقتصادي وعدد هؤلاء الوزراء عند حركة التحرير والعدالة والأمناء عند المؤتمر الوطني عشرة (وزراء أمناء) وخمسة مفوضين للعودة الطوعية وإعادة التوطين والعدالة والمصالحات وصندوق إعادة إعمار وتنمية دارفور ومفوض للأراضي ورئيس مفوضية الترتيبات الأمنية.. ونص الاتفاق على وضعية وزراء السلطة الانتقالية بتوصيف درجتهم كوزراء دولة، ويراقب السلطة الانتقالية مجلس يتكون من 66 عضواً وبإجراء عملية إحصائية بسيطة مثلاً لعدد الدستوريين في ولاية مثل جنوب دارفور يصل عدد المعتمدين ل35 معتمداً وثمانية وزراء وأربعة مستشارين و(60) عضواً في المجلس التشريعي، يضاف لهؤلاء نواب المجلس الوطني ومجلس الولايات والوزراء الاتحاديين ووزراء الدولة والإضافة الجديدة باتفاق الدوحة (10) وزراء أو أمناء لا يقل بنصيب الولاية عن (3) وزراء ومفوضين فكيف تستمر الاحتجاجات والدعوة لمزيد من الوظائف المختلف حول أسمائها قبل شخوصها.. ومنهج أزدواجية توصيف الوظيفة تم توليده في غرف نيفاشا حينما اختلف المفاوضون حول ولاة النيل الأزرق وجنوب كردفان، وطالبت الحركة الشعبية باسم (حاكم) وتمسك المؤتمر الوطني باسم (والي) فكتب في الدستور الانتقالي (والي - حاكم) وهكذا استمدت اتفاقية الدوحة من روح نيفاشا ازدواجية الأسماء.. وقديماً رفض البشير الأزدواجية مع الترابي وقاد التغيير الثاني في الرابع من رمضان تلك الاكلشيهات تمس جوهر الاتفاقية التي جاءت بسلطة جديدة ومستوى رابع من الحكم!! ولم تتضمن الولاياتالجديدة المنقسمة من جنوب دارفور والمنقسمة عن غرب دارفور، حيث نصت على عضوية الولاة الحاليين في مجلس السلطة الانتقالية بينما الولاة المنتظر تعيينهم بعد تقسيم جنوب وغرب دارفور سيتم إلحاقهم بكشف العضوية مثل اللاعبين الذين يتم قيدهم في فترة تسجيلات يونيو من كل عام.. ü ولكن السؤال الذي سوف تجيب عليه الأيام وحدها هل الاتفاقية بكل هذا الزخم السياسي والإعلامي والتنازلات والإنفاق المالي الضخم ستحقق السلام في دارفور وتنهي حقبة الحرب التي عاشها الإقليم المنكوب؟؟ من السابق لأوانه إصدار أحكام مسبقة على جنين لا يزال في رحم الغيب وحركات مسلحة أخرى تتوعد بتصعيد لغة السلاح.. لإجهاض السلام الذي وقعته الحكومة وحركة التحرير والعدالة التي لا تمثل واجهة عسكرية مثل حركة العدل والمساواة وهي حركة أقرب لمنظمات المجتمع المدني.. قادتها عبارة عن رموز لأحزاب مختلفة المشارب والأهواء والثقافات تجمعهم دارفور وتفرقهم المذاهب السياسية، بعضهم قادم من حزب الأمة وآخر من اليسار العريض وثالث من الحركة الإسلامية ورابع من حملة حقائب السفر لمتجولين في أروبا وبلاد الأفرنج والعرب ساهمت الأممالمتحدة ودولة قطر والوساطة الأفريقية ودولة ليبيا وأرتيريا في المراحل الأولى في تجميع شتات شملهم كبديل للحركات الرافضة للوساطة القطرية التي خصصت للتفاوض بين الحكومة وحركة العدل والمساواة ذات الجذور الإسلامية والارتباط بأحد الفرقاء الوطنيين (الشعبي).. وبذلك تواجه الحركة المسماة بالتحرير العدالة تحدٍ داخلي في كيفية تجاوز الإشكاليات التي تنجم عن مخاض (التوليفة) السياسية وكيف تحمي نفسها من التصدع والانهيار المرضي المميت للأحزاب والكيانات والحركات، سواء كانت مسلحة أو مدنية.. والتحدي الثاني تغيير واقع دارفور الحالي والمساهمة في إشاعة مناخ السلام والتصافي، وتوسيع الرقعة الأمنية وعودة النازحين واللاجئين للمناطق التي نزحوا منها وحمل الحكومة المركزية لمخاطبة أصل قضية دارفور ورفع المظالم التي حاقت بإنسان دارفور من نقص مريع في الخدمات وضمور في التنمية، حيث تقف (عزلة الإقليم) عن بقية السودان شاهد إثبات على ضمور التنمية، وطريق الإنقاذ الغربي الذي (وقف ومازاد)، ومنذ سنوات يظل المطلب الجوهري والرئيس لإنسان دارفور، ولكن الشهور الأخيرة شهدت اهتماماً من قبل وزير الطرق عبدالوهاب عثمان بالطريق، بيد أن حديثاً جهيراً أطلقه والي شمال دارفور قبل شهور عن سلحفائية سير تنفيذ طريق الفاشر أم كدادة أغضب د. غازي وعلي محمود، والرجلان في ذلك الحين يبشران دارفور بحزمة مشروعات تضمنتها إستراتيجية دارفور والتي يدور همس في أوساط أهل دارفور عن تعثر المشروعات بسبب قلة انسياب المال وأسباب أخرى نعود إليها مرة أخرى.. ولكن الساطعة كشمس إبريل ولا يمكن إنكارها لا يزال إنسان دارفور يحلم بمشروعات تجعله في مصاف إنسان الشرق والوسط والشمال وهو يستحق ذلك، وكان الأحرى بالحكومة التي تبحث عن السلام في الدوحة وطرابلس ولندن وبون وباريس أن تجذب إليها الإنسان الدارفوري وتجعله في صفها بسلوكها وصدقيتها بدلاً عن الرهان على الحركات المسلحة التي يتأبط بعضها أجهزة غيره..!! أخيراً: الالتزام بالاتفاق وتنفيذ بنوده مهما كان موقف البعض منها التحدي الذي يواجه د. غازي بكل ثقله ونفوذه داخل المنظومة الحاكمة.. ولكن ثمة سابقة خطيرة أرسلها المكتب القيادي للمؤتمر الوطني برفض اتفاق أديس أبابا تجعل أيَّاً من قادة المؤتمر الوطني يفكر أكثر من مرة في الإقدام على إبرام اتفاق، إذا كان د.نافع بكل نفوذه الواسع يُرفض ما مهرته يداه فما بال الآخرين..؟!