في خطوة متوقعة قدمت وزارة المالية والاقتصاد الوطني أمام البرلمان الاتحادي الميزانية البديلة بعد انفصال السودان الى جزءين شمالي وجنوبي، وهو مشروع الميزانية المعدلة للنصف الثاني من العام الجاري قدرت ب23.2 مليار جنيه، بنسبة عجز قدر ب5%، إذ إن الحكومة متوقعة الفاقد هذا العجز من خلال البنك المركزي والأوراق المالية، عن طريق ما يسمى بالاستدانة، والذي حدث نتاج انخفاض الايرادات العامة للدولة لخروج بترول الجنوب، الى جانب تفاقم العجز في الحساب الجاري، وعجز في ميزان المدفوعات، واستمرار الضغط على العملة المحلية، التي وصلت تدهوراً لم يحدث له مثيل في تاريخ السودان الحديث، ولمواجهة هذه الزنقة الاقتصادية والاجتماعية، وجدت الحكومة نفسها أمام خيارين، إما فرض رسوم جديدة على السلع الاستهلاكية أو توقع انفلاتات تؤدي بها الى الانهيار، أسوة بما حدث في العالم العربي أمثلة تونس مصر سوريا-اليمن- ليبيا، ولما كان الأمر قد يحدث ثورات شعبية فإن الحكومة قدرت وقرر ت الآتي تفرض رسوماً على السلع الاستراتيجية كالسكر مثلاً أو المواد الأساسية للمواطن وبالتالي الى حيلة ذكية وهي زيادة النسبة على المكالمات التي يتنفس بها المواطن الى 10% أي من 20% الى 30%.. القرار سلاح ذو حدين فالناس تقول إن موضوع الكلام لا يؤثر في حياة الناس، ولكن بنفس القدر تقول شريحة أخرى هي الوسيلة الوحيدة التي يتنفس بها السودانيون في الحديث مع بعضهم البعض، وكما هو معروف أن السودانيين قليلو الكلام وخاصة في المركبات العامة، أو حتى في منازلهم، ولكن عندما يتحدثون عبر الهاتف فإنهم يسرفون في الكلام مع بعضهم البعض، ونلاحظ أن ال5 دقائق الأولى في أي محادثة سودانية سودانية تبدأ بالسلام والسؤال عن الأحوال والأهل والأصدقاء، وأشياء أخرى كثيرة، لا تمت الى الموضوع الذي من أجله تم الاتصال، وعليه يلاحظ أن 80% من المحادثات تدور حول موضوع لايمت للموضوع الأصلي في شيء، وقد أثبتت دراسات سيكلوجية أن السودانيين يتمتعون بقدر كبير من الخجل وعدم المواجهة، وهم بالتالي يفرغون ما في داخلهم خلال الأثير، كان ذلك في شحنة من المحادثات الموضوعات الاجتماعية، أو الاقتصادية، أو السياسية، وبالتالي يعتبر علماء النفس والاجتماع أن المتنفس الوحيد للسودانيين الحديث بطلاقة وشجاعة في التليفونات، أو في بيوت الأفراح والأتراح. إذن النتيجة المنطقية التي وصلت اليها الحكومة لمواجهة هذا العجز في فرض زيادة على المحادثات الهاتفية بنسبة 10%، وهي ترى- اي الحكومة- أن بذلك قد تساهم بقدر معقول في مواجهة الفجوة الاقتصادية، والخلل الذي صاحب انخفاض بترول الجنوب على حساب الميزانية العامة، ولكن ياترى هل تستطيع الحكومة أن تلجم هذا الجانب الاجتماعي من الموازنة وتسهم في عدم الثرثرة خلال الأثير، وأن ذلك قد يساعد على معالجة كبوتها الاقتصادية، أم أن هذا يعتبر حلاً جزئياً للمشكلة والتي لاتعالج أساساً- كما يرى الاقتصاديون الآن- عن طريق الانتاج والبحث عن بدائل أخرى أكثر جدية للخروج من هذه الأزمة الاقتصادية التي تمسك برقاب المواطنين في الاعتماد على الزراعة أولاً وثانياً وثالثاً، والصناعة ثانياً وثانياً ومجانية التعليم والعلاج، وقفة الملاح، وحرية الرأي والتعبير، هذا كله يخلق مواطناً معافى باعتباره هو الأول والأخير في عمليات الانتاج الاقتصادية والاجتماعية، ولكن بكبح ومنع الناس من الكلام فإن هذا لا يحل المشكلة الحالية، فالمسألة يا سيادة الحكومة أكبر من الكلام، فابحثوا عن حلول أخرى هي في متناول اليد، لماذا تقاتلون ضل الفيل وتهربون من مواجهة الفيل ذاته؟.