نبدأ الحديث بقوله ما معنى الأمة وما المقصود بالوحدة وما هي الشعائر وما الأثر المتوقع منها؟؟ الأمة في لغة العرب معناها الجماعة أما الأمة في لغة القرآن الكريم لها أربعة معاني الأول الأمام الذي يقتدى به كما في قوله تعالى: ( إن إبراهيم كان أمة ) أمام اجتمعت فيه من المواهب والقدرات والملكات والمهارات ما تفرقت في غيره وليس على الله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد كان العرب قديماً يقولون ( فلان في قبيلة وقبيلة في فلان أي أن القبيلة تجسدت في فلان ) وكان بن مسعود رضى الله عنه يقول:( الجماعة ما وافق الحق إن إبراهيم كان أمة) , المعني الثاني ما وافق القرآن بمعني الجنس من الأجناس قال تعالى:« وما من دابة في الأرض وماطير في السماء إلا وامة أمثالها» أي جنس من الأجناس مثلكم) فكل عالم من عوالم الخلق من نبات وحيوان هذا جنس وفي الحديث الصحيح لولا أن الكلاب أمة من الأمة لأمرت بقتلها هذا الحديث فيه مشروعية حفظ الأجناس من الإنقراض, والمعني الثالث من معاني الأمة هي بمعني الحين الزمن قال الله تعالى: ( ولو أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة) أي إلى زمان فالحين والزمن من معاني الأمة ,والمعني الرابع من معاني الأمة الجماعة أو القوم الذين يجتمعون على ملة ودين سواء كان هذا الدين أو الملة مما توارثه الناس من الآباء والأجداد ( إنا وجدنا آباءنا على أمة ) أو كان الدين دين حق كما قال الله تعالى:( ومن قوم موسي أمة يهدون بالحق وله يعدلون فمن الرسل من قال توفني مسلماً وألحقني بالصالحين) ومنهم من قال: «يا بني أن الله قد أصطفي لكم الدين فلا تموتون إلا وأنتم مسلمون» وهذا أصل دين الأنبياء ,إذن هذه معاني الأمة في القرآن. وإنما نتحدث نحن عن أمة ذات رسالة خالدة هي امة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فهذه أمة جاءت في آخر لبنة رهط الأنبياء والرسل , وهنا في أن أصل دين الأنبياء واحد نشير إلى معني بالغ الأهمية وهو أن أصل دين الأنبياء واحد من حيث العقول من حيث العقيدة ومن حيث مكارم الأخلاق ومن حيث اصول الفضائل ومن حيث الواجبات والمحرمات ولكنه يقع فيه التنوع والاختلاف في الشرائع والمناهج والتكاليف العرضية فدين الأنبياء واحد من حيث الأصول ولكنه متنوع من حيث الفروع لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال :(الأنبياء أخوة لعلات دينهم واحد وأمهاتهم شتى), العلة هي الضرة فاتفاق الأنبياء على اصل الدين كاتفاق الأخوة الذين ينحدرون من أب واحد والأختلاف في الشرائع والتكاليف كالامهات الشتي هذا التصوير لما عليه دين الأنبياء والرسل من حيث وحدة الأصول ونوع الفروع هو يشبه واقع أمتنا المسلمة فنحن أيضاً متفقون على وحدتنا التي شاء الله أن يشرعها لنا هي وحدة في الأصول وتنوع في الفروع الأصل (الأول الأصول العقائدية) الثاني (المقاصد الكلية التي دل الاستقراء على أن الشريعة جاءت لرعايتها لحفظ الضروريات) . والأصول الشعائر التعبدية والأصول القيم الأخلاقية والفرائض الركنية والأحكام القطعية هذه كلها متعلقة بركائز الوحدة في الأمة ولكن هنالك تنوع في الفروع . هذه الأمة لها مقومات.. مقومات وحدتها تتمثل أولاً في وحدة المرجعية وفي وحدة القبلة وفي وحدة الشريعة وفي وحدة المصير والجزاء المشترك . وحدة العقيدة هي التي تنشأ وحدة التصور كما قلنا لكليات القضايا الكبري التصور نحو الإله المعبود نحو الكون نحو الإنسان نحو الحياة هذا الذي تنشئه عقيدة التوحيد ثم هنالك الشريعة ونحن ذهبنا مع الاصطلاح الذي فرق فيه الناس بين العقيدة والشريعة ولكن في الإصطلاح القرآني إذا ذكرت كلمة الشريعة فالشريعة تشمل شريعة الاعتقاد كما تشمل شريعة العمل كما قال الله تعالى:( شرع لكم من الدين ما وصل به نوحاً والذي أوحينا إليك) . والشريعة في الأسلام تشتمل على مستويين المستوي الذي يطلق عليه الشعائر التعبدية لأن العبادات تشمل دائرة العلاقات وهي علاقة الإنسان بربه ودائرة علاقة الإنسان بنفسه ودائرة علاقة الإنسان بالكون من حوله سواءً كان ذلك الكون كوناً طبيعياً أو كوناً بشرياً ولكن العلماء فرقوا بين التعبديات وبين المعاملات . هذه الشعائر لها ثمرتها في الروح وتنقية الشوائب قال الله تعالي:( إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر) وقال عن الزكاة «خذ من أموالهم صدقة تزكيهم وتطهرهم» وقال عن الصوم وهو فيه تزكية النفوس وصفاء الأرواح وهي مظهر كذلك يتجلي فيه التعبير عن وحدة الأمة حينما يجئ في صيغة التكليف الجماعي ، قم الصلاة ، أتواالزكاة ، كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ، هو يخاطب الأمر التكليفي ولكنه يخاطب الأمة في مجموعها وإن كان هذا التكليف موجه إلى آحاد الأمة وإلى كل فرد فيها, لكن السياق القرآني يقترن فيه ضمير الجمع بالأمر التكليفي وهذا أمر ينجلي فيه مبدأ وحدة الأمة بأن الأمة أمة واحدة بتكليف رباني واحد ثم تتجلي فيها هذه الشعائر فيها وحدة الأمة في صفتها ، الصفة المتعلقة أولاً بضبط مواقيتها يعني الصوم لا ينعقد إلا بثبوت الهلال «يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج», ولذلك يشترك الناس في تعبيرهم بصورة في صورة جماعية لتلقي هذا الأمر التكليفي من خلال ثبوت الرؤية إذا شهد شاهد عدل بأنه رأي الهلال صام الناس بصيامه ولذلك حتي الدخول مناط فيه وحدة الجماعة وفي البلاد التي يختلف فيها المسلمون التي فيها بعض الأقليات فانهم يحتكمون إلى العلماء في بلادهم فإذا أثبت علمائهم رؤية الهلال صاموا تبعاً لذلك وبعضهم يحتكم إلى المرجعية المذهبية إذا كان حنبلياً أو أحنفياً أيضاً يأتي التعبير عن وحدة الجماعة في الصلاة كما في الصوم ورؤية الهلال ونركز هنا أن الصوم تعبير ايضاً عن وحدة الشعور يعني أن الفتي لا يشعر بحرارة الحرمان من الجوع إلا في مثل رمضان وبالتالي يدرك حاجة الفقراء والمحتاجين فيتألم لألمهم ويشعر بالضيق لحاجتهم ومن هنا ينشأ من وحدة هذا الشعور والحس مبدأ أدوات التكافل والتعاون الاجتماعي فالمسلمون أمة واحدة يسعي بزمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم ، الزكاة فيها البعد التعبدي المتمثل في قضية التزكية والتطهير وفيها ايضاً البعد التكافلي الذي يجعل المسلمون يتناصرون ويتأزرون وهذا تعبير عن وحدة الجماعة الحج أكبر مشهد من وحدة الجماعة الذي يؤتمر فيه الناس من اقاصي الدنيا يؤدون شعائر واحدة تعبر عن هذه الوحدة وحدة الزمان وحدة المكان أو وحدة القبلة. قدمت هذه المحاضرة فى الافطار المركزى لامانة الطلاب بالمؤتمر الوطنى