معظم المهتمين بالشأن الدارفوري والمتابعين لمجريات المفاوضات في الدوحة توصلوا الى أن الذي يجري بالدوحة حرث في البحر، ولا يؤدي الى السلام الحقيقي الشامل المؤثر في الواقع، والذي يوقف المعاناة والتدهور في اقليم دارفور، وجاءت التصريحات والمواقف خلال الأسبوع الماضي، بما يعزز الإحباط في بلوغ نشاطات الدوحة الى المآلات المطلوبة، ومن بين تلك التصريحات والمواقف نورد ثلاثة أمثلة هي: أولاً: التصريحات التي أدلى بها الدكتور غازي صلاح الدين مسئول ملف دارفور أمام المجلس الوطني ولوسائل الإعلام، والتي أشار فيها بوضوح إلى أن المبادرة العربية الافريقية التي تنفذها الدوحة ناقصة- أي أنها معلولة لا تستوعب ولا تحيط بكل جوانب القضية وتستوعب حلولها- ونقصان المبادرة لا يحقق من النتائج إلا الناقصة (فالبذرة لا تعطي إلا ثمرها). ثانياً: طالبت الحكومة صراحة بتحديد موعد زمني للاتفاق مع حركة التحرير والعدالة، وأن يكون منتصف يوليو الجاري الموعد النهائي لتوقيع الاتفاق بين الطرفين، بينما الطرف الآخر الجالس في الجانب المواجه من الطاولة يقول باستحالة الوصول الي الاتفاق في الموعد المحدد. ثالثاً: بينما الأطراف المعنية بالمفاوضات في الدوحة تطرح ملفات المحاور للاتفاق، يتوجه الوسطاء الى الحركتين (الأصل) حركة تحرير السودان، وحركة العدل والمساواة، للالتحاق بطاولة المفاوضات، فاتجه الوسطاء الى الجماهيرية الليبية للالتقاء برئيس العدل والمساواة، ومن ثم التوجه الى باريس للالتقاء بعبد الواحد نور، مع إعادة ملاحظة مواصلة التفاوض الجاري مع مجموعة دكتور سيسي وتحديد سقف زمني للتوقيع النهائي. رابعاً: في إفادات الدكتور غازي صلاح الدين أمام المجلس الوطني أشار الى ضرورة نقل ثقل تحقيق السلام الى قوى الداخل، وعدم تهميش القوى الخارجية كشريك في عملية السلام، وجاءت مداخلات ومقترحات عدد من النواب المخضرمين في قضية دارفور بضرورة الاستعانة بعناصر فاعلة من دول الجوار، مما يشير الى فتح الباب لتغيير المنهج المتبع. الملاحظات السابقة تؤشر الى التداخل والربكة التي تسير بها مفاوضات الدوحة، فبينما تحديد السقف الزمني يشير الى نهاية التفاوض مع من حضر، يشير تحرك الوسطاء الى طرابلس وباريس الى بدايات جديدة مع الحركات، فيما تأتي المقترحات بالمجلس الوطني الى تغيير الوساطة نفسها، بالاتجاه نحو دول الجوار الافريقي والافريقي العربي، وغرس بذرة السلام في الداخل، وهذه التقاطعات المتضادة تبين (أن درب المفاوضات دخل في الالمي)، ولابد من التوقف وإعادة ترتيب العملية السلمية من حيث الهياكل الممثلة للأطراف والوسطاء الدوليين، ومن حيث المنهج المتبع في طرح المحاور على طاولة التفاوض، وضرورة استصحاب المتغيرات التي حدثت، ومن أول هذه المتغيرات مراعاة التطور الدستوري الذي تم في السودان، عقب اجراء انتخابات عامة لكل المستويات السيادية والتنفيذية والتشريعية، والتي أفرزت بولايات دارفور أمراً واقعاً بأن هناك من القيادات من يتمسك بالتفويض الشعبي، وله الحق بالتحدث باسم شعب دارفور. أيضاً من المتغيرات التي يجب استصحابها أن نتائج تجربة اتفاقية ابوجا والعقبات التي صاحبت مبادرة الدوحة منذ إعلانها أنها نهضت بمنظمات المجتمع المدني الدارفوري بالداخل، وفعَّلت وسائل الضغط الناجزة لتحقيق رؤيتها في السلام، في ظل الأجواء الديمقراطية وتطور فاعلية المؤسسات الأممية في تشكيل الأحداث الداخلية في كل دول العالم، إضافة الى أن ضحايا الحرب والمتأثرين من أهل دارفور يمثلون أكثر من 95%، ولا بد من اشراك منظمات المجتمع المدني في العملية السلمية. أيضاً من المفيد استصحاب الموروثات المحلية لمعالجة افرازات الحرب والصراع، والأسباب الجذرية للنزاع، ففي الربع الأول من عام 2004م توصل الفريق ابراهيم سليمان مع وفد من حركة المتمردين بلقاء مباشر بمدينة الفاشر دون اللجوء الى وساطات خارجية، ومن ثم ارسال وفود الإدارات الأهلية للمتمردين، وتم اتفاق بانهاء حالة الحرب والتمرد، مع الأسف لم يصل الاتفاق الى نهايات. أيضاً من المفيد ضرورة شمولية المفاوضات والاتصالات لكل الحركات، فقيمة الأمن والسلام لا تتحقق في غياب أية حركة، مهما كان حجمها أو امكانياتها. ونواصل الاسبوع القادم. ولله الحمد،،،،،