رن هاتفي مساءً متأخراً على غير العادة «فصهينت» منه وقلت لابد أن الرقم خطأ، لأن كل المقربين مني يعلمون أنني من النوع البنوم بدري ويصحى بدري لعلي أحظى ببركات يد البدري التي قال عنها الشيخ فرح ود تكتوك يايد البدري قومي بدري واخدمي بدري شوفي كان تنقدري، لكن أعاد الهاتف فعلته الأولى في رنين متواصل لم ينقطع إلا بعد أن ضغطت على الزر الأخضر ويبدو أن النعاس حجب عني رؤية تفاصيل الرقم، حيث جاءني صوت صديقتي «ن» من الطرف الآخر وكأنه قادم من الجحيم، وهي ترغي وتزبد ولأنني لم التقيها من مدة قلت أكيد أنا ماسبب هذه الهيجة، وحاولت أن أهدئ من روعها لأستبين الأمر، وبعد جهد جهيد قالت لي: شفتي يا أم وضاح الولد ود الذين ده عايز يعمل فينا شنو وكان لابد من توضيح آخر لأستوضح من هو ود الذين المقصود، فقالت وكأنها افترضت أنني سأعرفه حيكون منو يعني ما طارق ولدي وواصلت نبرات الغضب، تصدقي الولد المفعوص المامرق من البيضة ويا داب اتخرج ليهو سنة جاني أمبارح وقال عايز يعرس فقلت ليها رغم أن سؤالي به نوع من الغباء المقصود وقلتي ليه شنو؟ قلت ليه يعرس ركبيك هذه إجابات الأم خريجة الكلية المرموقة بالجامعة العريقة التي أحسب أنها إطلاقا لن تختلف عن إجابات أي حبوبة لم تنل قسطاً من التعليم، وهنا قلت لها شوف يا ستي الولد ده قرأ ودخل الجامعة وهسة شغال ليه سنة كونه يفكر في الزواج في هذه السن فهذا نضوج منه والتزام يحسب له في سن أفكارها طائشة ومعظم من فيها مابقعد في البيت خليه يعمل ليه بيت وبعدين يا «ن» تفاصيل الزواج ستكون بسيطة لأنه والعروس في بداية سلم حياتهما المهنية ولن يرهقا نفسيهما بأي تكاليف فوق طاقتهما.. قلت لها والله بدل الجوطة الساواها دي كان زغردتي كان أحسن ليك، وابنك أراد إكمال نصف دينه بهذه السن وهذه الواقعية، بعدين يفرق معاك شنو لو اتزوج هسي وهو في عمر الخمسة وعشرين أو بعد عشر سنوات وهو في عمر الخمسة وثلاثين، بصراحة أنا ما عندي أي اقتناع بمبرراتك وشاكه كده أنك خايفة تبقي حبوبة والسلام.. ويبدو أن التعليق الأخير قد سرق منها ضحكة لأجدها فرصة وأقول لها يا ستي لو أن كل أسرة دعمت وساندت أبناءها وبناتها على بساطة تكاليف الزواج لخففنا من الرقم التراكمي للعنوسة من الجانبين، لأن العنوسة لم تعد أنثوية فقط، بل هي ذكورية وبصورة مخيفة.. فيا بت الحلال باركي لي ولدك وسيريه بالعديل والزين وربنا يبارك ليه ولي كل الشباب. كلمة عزيزة: إن صح ما تناولته الصحف أن مخصصات السيد رئيس المجلس الوطني هي واحد وثلاثون مليون جنيه حتة واحدة، لرفعت يديني للقبلة وقلت يا الله أدي كل واحد من الشعب السوداني فرصة أن يكون رئيساً للمجلس الوطني لمدة شهرين بس فيخرج بتحويشة 62 مليون جنيه لو قعد عمره كله شغال ما حيلم ربعها،اعتقد أننا اتفقنا أنه علينا أن نتحمل تبعات الضائقة الاقتصادية بدليل أن الناس ساكتة ومتحملة، لكن بالضرورة أن تقوم الحكومة بتنازلات خاصة فيما يتعلق بمخصصات ورواتب وزرائها ومستشاريها ومعتمديها وكل الجيش الجرار الذي يتبع المسؤول وأنت لاتدري أو تعلم شيئاً عن الوظيفة التي يقوم بها تحديداً في كل الأحوال مثل هذه الأخبار استفزازية للمواطن ولعسره وقوة تحمله لأنه ما ممكن بلد يعاني ما يعاني وكيلو اللحمة فيه ب32 جنيه وكيلو الطماطم عشرين في ظل رواتب لاعلاقة لها بالتناغم مع أيام الشهر أو حتى الأسبوع وفي مواطن ماهيته ثلاثين مليون «الكترابة».