إذا كان سياسيو الجنوب يتهمون الشمال بسلب حريتهم والتغول على مواردهم منذ عقود من الزمان، بل أن البعض تطرف في الاتهام، بأن الشمال يتعامل مع الجنوب بنظرة دونية، تنم على أن مواطن الجنوب يحتل درجة أدنى من مواطن الشمال.. هذا الإدعاء مرفوض، وثبت العكس بعد أن هدأت الحرب ووقف نزيف الدم المفتعل، وجاءت اتفاقية نيفاشا كبداية عهد جديد، ليشمر مواطنو الجنوب عن سواعدهم ويرسوا معالم التنمية والبنيات التحتية، لكن من المؤسف أن الذي يحدث الآن هو أن يجد الجنوبيون أنفسهم كما كان قبل اتفاق نيفاشا. والمتابع لمسيرة الأحداث في الجنوب منذ اتفاق نيفاشا وحتى الآن، يقف على حقيقة ملموسة، وهي غياب كامل لأي مؤشرات للتنمية، وأن معاناة المواطنين زادت، مما دفعهم إلى هجرة معاكسة إلى الشمال، لتزيد عددية الجنوبيين الموجودين بالولايات الشمالية، وخاصة الخرطوم.. بدلاً من أن يتناقص العدد بعودة الكوادر المؤهلة من الجنوبيين، الذين لهم خبرة في أعمال التنمية.. ولعل عزوف الجنوبيين عن العودة إلى ديارهم للمشاركة في إرساء معالم التنمية، مرده إلى عجز القيادات الجنوبية السياسية عن التأثير على الكوادر الجنوبية للتحرك نحو الجنوب. يقول المحللون السياسيون إنه بالتوقيع على اتفاق نيفاشا واقتسام السلطة والثروة بين الشمال والجنوب، كان على القيادات الجنوبية التركيز وبصفة خاصة على أعمال التنمية، وليس التمسك بتلابيب السياسة، وإطلاق التصريحات التي تضر أكثر مما تكون في مصلحة إنسان الجنوب.. ولنسأل كم مَعلم تنموي شُيد بالولايات الجنوبية وماذا استفاد المواطن الجنوبي من عائدات البترول، التي خصصت للتنمية بالجنوب، ولمصلحة من يصول ويجول أصحاب التصريحات النارية، التي تعكر الأجواء، وتثير غبار السياسة المؤذي للعيون والصدور، ويتأذى بها المواطن الجنوبي. والسؤال الذي يطرح نفسه على الساحة السياسية الجنوبية.. ماذا وراء التصريحات المتناقضة التي يطلقها سياسيو الجنوب بمناسبة أو غير مناسبة، دون الوضع في الاعتبار التداعيات والآثار السالبة التي تخلفها هذه التصريحات التي تربك عقلية المواطن الجنوبي. لكن المهتمين بالشأن الجنوبي يرجعون تناقضات التصريحات، إلى غياب المؤسسة الاستشارية في هيكلية الحركة الشعبية، الأمر الذي يؤدي إلى استفحال ظاهرة إطلاق التصريحات دون مرجعية تستند إلى دراسة، وتمحيص للقضايا المطروحة على الساحة السياسية.. وغياب المؤسسة الاستشارية أيضاً ساعد الساسة على التخبط، وتعدد مراكز إصدار القرار، اعتماداً على السلطة أو الوزن والثقل القبلي، الذي ينتمي إليه القيادي الجنوبي، الجنوب الآن في حاجة ماسة إلى تكوين مؤسسة استشارية عليا، لتضع ضوابط وأسس لكيفية التعامل مع الشريك الآخر في حكومة الوحدة الوطنية- المؤتمر الوطني- ولطالما وجدت عناصر مشاكسة، فإن الأمر يزداد تعقيداً.. مازالت هناك علاقة تربط بين الشريكين، ويتطلب الأمر الحرص من الجانبين على التعامل بنوايا خالصة من أجل مصالح البلاد بكل أرجاء السودان الواحد الموحد، دون الاتجاه على التشرذم أو الإنقسام. عموماً وبعد كل الزخم السياسي والسموم التي بثت في عالم السياسة، واشعلت حرائق تناثر رمادها في منطقة السدود والمستنقعات، لذا ندعو القيادات الجنوبية لفتح صفحة جديدة في مسار علاقاتها مع المؤتمر الوطني، والتحرك فوراً نحو الجنوب، من أجل التنمية وإرساء الخدمات الضرورية، بل نناشد الحركة الشعبية وقياداتها العليا باستبدال صيحات الانفصال بصرخات مدوية للوحدة من أجل التنمية والتغيير، فالآن بات واضحاً أن هناك من العناصر التي تثير الزوابع، وتريد للجنوب خراباً وتدميراً، متخذة أسلوب الخباثة السياسية، والتحالفات التي تهدف إلى زعزعة الاستقرار، وأمن المواطنين وتدعو للانفصال. وفي ذات السياق علينا أن نلفت نظر سياسيي الجنوب إلى أهمية الوقت.. فالآن ضاعت خمس سنوات منذ نيفاشا ولا جديد في الجنوب، فالوحدة من أجل العمل ثم العمل، فهو الخيار المطلوب حالياً، حتى لا تردد الحركة الشعبية، أن المؤتمر الوطني عائق لتنمية الجنوب، وهذه النغمة أصبحت بلا معنى وبلا مضمون، ولتكف الأصوات العالية التي تدعو للانفصال، وهي لا تعرف أن صيحاتها تضر بالمواطن.. فالوحدة تعني تنمية الإنسان الجنوبي.