حكاية غريبة تنسى المودة.. تنسى الريد... لخصامي تبدأ.. بمثل هذه الكلمات المليئة بالعفوية والبساطة كان يتغنى الشاعر الغنائي الكبير الجيلي محمد صالح.. وقد أخترت هذه الكلمات وهذا العنوان لأنعاه بها يوم رحيله.. وهي من أعذب أشعاره التي تغنى بها وأبدع الفنان الراحل (ابن الدامر) محمد حسنين نجل زعيم الوطني الاتحادي حسنين السيد، رئيس الحزب في عاصمة الشمال في حقبة الخمسينات والستينات من القرن الماضي، وهي حقبة نضال ضد الاستعمار وكلاهما ينتمي إلى المديرية الشمالية القديمة- الجيلي ومحمد حسنين- فهذا من عاصمتها التاريخية (الدامر)، وذاك من قلب الشمال النابض بالحياة في جلاس موطن الجيلي محمد صالح وابن خاله صاحب الريلة الشاعر الكبير إسماعيل حسن ومعقل أهله وقبيلته من البديرية، وجلاس واحدة من أكبر مدنهم، وقد خرج منها رموز كثيرون خدموا الوطن في أكثر من مجال.. فلا جاء يوم شكرهم.. وإن جاء يوم شكر هذا العزيز الغالي وأنا أستطيع أن أدبج صفحة كاملة عن أصدقائي وإخواني من أبناء جلاس، وسوف أذكر منهم الأستاذ الصديق الراحل أحمد عبد الحليم.. الدبلوماسي والسياسي والأستاذ الجامعي، وصديقي الراحل ريحانة مجالس أرض الجزيرة المرحوم السر عبد الماجد، أحد رموز ودمدني، وكذلك أخواني من رجال الشرطة وعلى رأسهم الأخ الفريق عوض خوجلي مدير عام قوات الشرطة الأسبق الذي يمثل قيمة كبيرة للخلق والمسؤولية.. وكما قلت لكم لا تسعني المساحة للتحدث عن هؤلاء الأكارم الذين يُنسبون الى هذه الدوحة اليانعة الثمار. إذن من هذه البيئة ومن (ناس ديل) جاء صديقي الراحل الشاعر الجيلي محمد صالح.. وقد كان آخر لقاء بيننا في دار ورحاب جريدتنا (آخر لحظة).. وهو يتوجه إلى مكتب الصديق مصطفى أبو العزائم، وقد تحدثت يومها مع الجيلي وتناولنا (ماضي الذكريات)، وقد كان الراحل أوفى ما يكون صحة وعافية وحيوية.. ولكن لم أكن أدري أو أتصور أن يفارقنا الجيلي بمثل هذه السرعة، وهو ينضح بكل أسباب الحياة.. وكأنما كان يقول لي ذات تعابير كلماته إنني راحل (من غير وداع) تلكم الرائعة التي يتغنى بها صلاح ابن البادية وهو في عنفوان عطائه الفني. وقد ترك لنا الجيلي محمد صالح أكثر من مجموعة من الشعر الشجي الرقيق، تضمنت الكثير من روائعه التي طالما أشجانا بها (الحبيب قلبه طيب) مع محمد وردي- وخصام العيد لصلاح مصطفى- ويا الطال فراقك طال سنة وزيادة. والآن قد طال فراق الجيلي محمد صالح عن الساحة التي ملأها صفاء ووداً وعطاء.. والتي ضمخها بروح شفيفة تنضح بإيمان عميق.. ولي بالله إيمان عميق فمن لكمو بإيمان عميق.. ألا رحم الله الشاعر الكبير الجيلي محمد صالح الذي مات شامخاً كما تموت أشجار النخيل، وجزاه الله عنا خيراً فقد أسكننا في فؤاده وسويداء قلبه حباً وصدقاً ووفاء.