شهدتُ بالأمس جلسات مؤتمر القطاع السياسي بالمؤتمر الوطني داخل المركز العام للحزب، وأكتب هذه الزاوية عقب انتهاء الجلسة الافتتاحية وجلسات أوراق المؤتمر (الأولى والثانية) وقبل جلسات النقاش العام والجلسة الختامية، وقد خصصنا فريقاً للتغطية الكاملة حتى يتمكن قاريء «آخر لحظة» من معرفة ما يدور داخل الكواليس بحسبان أن المرحلة الحالية تتطلب رؤية جديدة للشأن السياسي من داخل الحزب الحاكم، خاصة بعد ذهاب جنوب السودان ليصبح دولة جارة وشقيقة نستقبل رئيسها برفع العلم والنشيد الوطني. كان ملفتاً جداً داخل المؤتمر، تلك اللغة المتصالحة والمفردات المتقاربة مع الآخر السياسي في كلمتي الدكتور قطبي المهدي رئيس القطاع السياسي، والبروفيسور إبراهيم أحمد عمر، مستشار رئيس الجمهورية وأحد القيادات البارزة والمؤثرة داخل المؤتمر الوطني. وكذلك جاءت التعليقات في الجلسات التي أعقبت الجلسة الافتتاحية، خاصة الجلسة التي قدم فيها الدكتور إسماعيل الحاج موسى ورقته التي حملت اسم (الجمهورية الثانية: صورة النظام السياسي الجديد) التي عقب عليها البروفيسور إبراهيم أحمد عمر والأستاذ أحمد عبد الرحمن محمد والأستاذة بدرية سليمان، وقد ترأس الجلسة الأستاذ السميح الصديق. حديث الأستاذ أحمد عبد الرحمن كان جريئاً وشجاعاً وواضحاً - كالعادة - وقد أبدى ملاحظات مهمة حول مفهوم الحكم الاتحادي واتهام هذا النظام الإداري من قبل الكثيرين بأنه يكون دائماً وراء انفصال الدول، مثلما حدث في السودان، مع الإشارة إلى أن نظام الحكم الاتحادي هو نظام استحدثته الأنظمة المركزية يساعد في عملية الإدارة، ولم ينشأ في كل العالم نظام اتحادي قام على رغبة الأقاليم أو الولايات إلا ذلك النظام الذي نشأ وقام في الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تأسست نتيجة اتحاد ثلاث عشرة ولاية اتفقت على أن تتوحد فأصبحت نواة للولايات المتحدة بشكلها الحالي. أما أهم ما جاء في تعقيب الأستاذ أحمد عبد الرحمن محمد، على ورقة الدكتور إسماعيل الحاج موسى، فهو من علاقة الحزب السياسي بالحكم الاتحادي، وقال إن الأحزاب دائماً هي التي تجمّع الناس حول الأفكار والقضايا والعقائد، لذلك يجب ألا يتم تحجيمها، فالحزب يجب ألا يعرف الحدود ليصبح لكل ولاية حزب وقيادة ومنظمات ومؤسسات وفئات. ثم جاء تعقيب الأستاذة بدرية سليمان على الورقة في جوانب الدستور والقانون، ليقدم بعد ذلك الأستاذ ربيع حسن أحمد ورقة محكمة جاءت باسم: (الجمهورية الثانية: المؤتمر الوطني وقضايا المرحلة) عقب عليها البروفيسور زكريا بشير إمام الذي كان شجاعاً وواضحاً في حديثه عن تدني مستويات التعليم رغم اتساع قاعدته ليتحدث بعد ذلك البروفيسور أحمد مجذوب عن تداخل السلطات الاقتصادية بين المركز والولاية والمحلية، الأمر الذي أدى إلى ربكة لا تتحقق من ورائها الأهداف المرجوة. تعليق الدكتور محمد المهدي مندور جاءت خلاصته بضرورة الانفتاح على الآخر وإشراك الأحزاب والقوى السياسية في السلطة لأن الهدف أن يحكم المنهج لا الأشخاص وأن يتم التأسيس للمشروع الحضاري الذي لم يعد يختلف عليه أحد.. حتى أن الدكتور مندور أشار إشارة ذكية - أسعدتني - إلى ما جاء في «آخر لحظة» قبل أيام بقلم الأستاذ مؤمن الغالي، وقال الدكتور مندور إن الشيوعيين أنفسهم أصبحوا على قناعة تامة بأنه لا فكاك من حكم الشريعة، مثلما كتب الأستاذ مؤمن الغالي قبل أيام. الآن.. وبهذا الفهم وذلك الطرح نرى أن طريق المستقبل سيكون معبداً أمام أبناء هذا الوطن طالما كان الحوار هو اللغة التي يرى الجميع ضرورة التعامل بها.