علم الاقتصاد عرف منذ الحضارات القديمة مثل الإغريقية، إذ عرفت الكلمة الإنجليزية (أيكونومي) منذ القرن السادس عشر، وهي مشتقة من كلمتي (أوكيو الأفريقية وتعني المنزل، ونوميا وتعني الإدارة)، وهي بذلك تعني الإدارة العلمية الرشيدة لتحقيق التوازن بين عرض السلع والخدمات وتوزيعها بعدالة على طالبيها، وازدهرت علوم ونظريات الاقتصاد بعد أن بدأت الفجوة بين السلع المعروضة والطلب تتزايد بزيادة السكان والذي بلغ الآن مرحلة الانفجار تقريباً، ولم تعد نظريات الاقتصاد كافية لخلق التوازن المنشود وبدأت الشعوب تجأر بالشكوى ثم التذمر، فالخروج إلى الشارع لإسقاط الأنظمة التي جثمت على صدرها عقوداً طويلة لم تراعِ فيها التردي المعيشي المنحدر تدريجياً منذ فترة كافية لكل حاكم عاقل ليعيد التوازن إلى شعبه وما الخبر المثير المنشور في صحيفة آخر لحظة يوم 15/10/2011 إلا تأكيد لذلك، إذ نشرت أن الغاضبين قرروا التظاهر في جميع أنحاء العالم اليوم احتجاجاً على ضيق الأوضاع المعيشية نتيجة الأزمة المالية التي تجتاح العالم، وتنديداً بنفوذ أوساط المال، دعا الغاضبون إلى التظاهرات في 719 مدينة في 71 بلداً تمتد من مدريد إلى نيويورك، وأنا أقول إن حال العالم وخاصة العالم الثالث، لن ينصلح طالما أن هناك قلة تهوي جمع المال وتكديسه والسعي المتواصل لزيادته بأي وسيلة، وهو أكثر من حاجتهم لأكثر من مائة عام، متناسين أن الحياة قصيرة مهما طالت، وأن الإنسان محاط بالموت من كل جانب وفي أي وقت، قطعاً هذا المال المكدس الفائض عن حاجة القلة على حساب الأغلبية التي تعاني من ندرة السلع الضرورية وأسعارها العالية، هذه الأقلية إذا تحركت أموالها المكدسة كسلعة في اتجاه الإنتاج والتنمية فسيحدث انفراج كبير بإشراك جزء كبير من الأغلبية الصامتة المغلوبة، وزيادة دخول الأسر مع توفر السلع. عملية حسابية بسيطة تؤكد ما ذكرناه نفترض أن الشخص المعني من هذه القلة التي تجمع المال يصرف مليون جنيهاً في اليوم، أو ما يعادل حوالي 250 دولاراً في اليوم، أي حوالي مائة ألف دولار في العام، زائداً مائة ألف دولار أخرى في العام للسفر والترويح، يكون أقصى ما يمكن صرفه على نفسه وأسرته مائتي ألف دولار في العام. في مائة عام يحتاج إلى أن يصرف عشرين مليون دولار فقط مقارنة بمئات الملايين من الدولارات مجمدة في البنوك بفوائد ربوية، السودان به حوالي 150 مليون (مائة وخمسين مليون) فدان صالحة للزراعة، المزروع الآن وبعد كل مشاريع النهضة الزراعية والنفرة الزراعية منذ سنوات عديدة يبلغ 43 (ثلاثة وأربعين مليون فدان فقط)، أي 29% فقط، السودان به ما لا يقل عن مائة وخمسين ألف طن من الثروة السمكية سنوياً لا تستغل وتمر عبرنا إلى مصر، والأسماك أسعارها فوق قدرة الغالبية العظمى، بدأنا نستورد الدواجن والسودان به مئات الحظائر هجرها أصحابها بعد حادثة إنفلونزا الطيور بعد أن فقدوا كل أموالهم القليلة ولا يجدون تمويلاً أو تعويضاً. ارتفاع أسعار اللحوم والخضر بسبب تقاعس المستثمرين السودانيين الذين يكدسون الأموال في المصرف ذي العائد المجزي لهم في بنيات نقل ورعاية الثروة الحيوانية من مواقع الإنتاج إلى الاستهلاك، وإحجام المستثمرين عن المساهمة في تمويل أو إنشاء مزارع الخضر والفواكه والمنازل المحمية والمخازن المبردة. بعد الأزمة الأخيرة قامت ولاية الخرطوم بكفاءة عالية في إدارة الأزمة الطارئة، بل وبدأت في الطريق السليم للحل الجذري، بدأت وزارة الزراعة والثروة الحيوانية والري بالولاية بإعداد إحصائيات دقيقة بواسطة علماء وخبراء بكل همة ومسؤولية سوف تساعد الولاية في الحل الجذري وعدم تكرار الأزمة. أشارت الإحصائيات في يوليو 2011 إلى: الطلب في البطاطس 102 ألف طن في العام، المعروض 132 ألف طن، وفرة 30 ألف طن. الطلب في الطماطم 192 ألف طن في العام، المعروض 105 آلاف طن، عجز 78 ألف طن. الطلب على البصل 216 ألف طن في العام، المعروض 252 ألف طن، وفرة 36 ألف طن. الطلب على الورقيات والفرعيات 279 ألف طن في العام، المعروض 300 ألف طن، وفرة 21 ألف طن. الطلب على لحوم الدواجن 33 ألف طن في العام، المعروض 42 ألف طن، وفرة 9 آلاف طن. الطلب على الأسماك 18 ألف طن، المعروض 10 آلاف طن، عجز 8 آلاف طن. بيض المائدة: الطلب 33 ألف طن في العام، المعروض 35 ألف طن، وفرة 2 ألف طن. الألبان: الطلب 510 آلاف طن في العام، المعروض 482 ألف طن، عجز 28 ألف طن. اللحوم الحمراء: الطلب 144 ألف طن في العام، المعروض 120 ألف طن، عجز 24 ألف طن. تجب الإشارة إلى ملاحظتين مهمتين في هذا الإحصاء، الأولى أن كميات الوفرة والعجز قليلة لا تساعد على الصادر ولا تضمن الوفرة لأي طاريء يحدث في الإنتاج، الثانية أن هذه الأرقام محسوبة على مدار العام ولكن بعض هذه السلع موسمية مثل الطماطم يتوفر في الشتاء ويندر في الصيف ولغياب التخزين المبرد، فإن ما يتوفر في موسمه يضيع ولا يقابل موسم الندرة، وكذلك الحال للبقية من السلع. مما تقدم أرجو مخلصاً من الأخوة السودانيين الوطنيين المساهمة مع جهود ولاية الخرطوم العلمية الواقعية لإعادة التوازن بين المواطنين وضمان عدم تكرار أزمة الندرة وارتفاع الأسعار، وذلك بإعادة جزء من تلك الأموال في الخارج واستثمارها في مشاريع ذات جدوى اقتصادية لهم وجدوى اجتماعية لغيرهم من الغالبية حتى لا تندلع ثورة الجياع تقضي على الأخضر واليابس، وينعدم الأمن ويسود الخوف على الجميع بما فيهم أصحاب تلك الأموال، وتصبح أموالهم لا قيمة لها وليتذكروا قول الحق عز وجل:(فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف). يجب أن يساعدنا أهلنا الوطنيون قبل أن نطلب العون من الغرباء في الاستثمار في زراعة الخضر والفواكه، المنازل المحمية والمخازن المبردة العملاقة، واللحوم بأنواعها لنحقق الوفرة وتصدير الفائض لتعود للمستثمرين أموالهم ويرضى عنهم الله وينعم أهلنا بالرفاهية، والرفاهية حسب تعريف العالم الاقتصادي الكندي قالبرت ليست كما تفهم لدى الكثيرين بأنها المنازل الفاخرة والعمارات الشاهقة والسيارات الفارهة، هي كما تعرف علمياً أن مجتمع الرفاهية هو المجتمع الذي تتوفر فيه السلع والخدمات ويتمتع أفراده بالقدرة المعقولة لمقابلة الحصول على السلع والخدمات المتوفرة للتمتع بحياة كريمة ومتطلباتها من غذاء، تعليم، رعاية صحية وخدمات ضرورية. والله الموفق مهندس مستشار