هي حلقتنا الخامسة التي نستعرض فيها ظاهرة الغلاء وجهود الدولة لمجابهتها، ونخصص زاوية اليوم للأسمنت، وفي الذاكرة حالات الشد والجذب التي شهدها الأسمنت، وحالات الندرة القاسية التي عاشتها البلاد وتصاعدت بسببها أسعاره بشكل جنوني في ظل تنمية غير مسبوقة تشهدها بلادنا من إنشاءات ضخمة شملت السدود والجسور وتنمية عمرانية خلفت غابات من الأسمنت لم تشهدها بلادنا من قبل. عرفت بلادنا صناعة الأسمنت في العام 1947م مع بداية الإنتاج بمصنع أسمنت عطبرة بكلفة (41) مليون دولار، وبطاقة إنتاجية (500) طن في اليوم، ومنذ ذلك التاريخ لم يحدث تطوير لهذه الصناعة أو إضافات جديدة إلا بدخول مصنع ربك بالرغم من الطلب المتزايد لسلعة الأسمنت وبالذات في السنوات العشر الأخيرة، حيث شهدت البلاد طفرة عمرانية هائلة قفزت بالمستورد من الأسمنت إلى ما يقارب المليون وسبعمائة ألف طن في العام 2009م تستهلك (250) مليون دولار من احتياطي البلاد من العملات الأجنبية، ومع دخول بعض المصانع الحديثة هبط المستورد إلى ما هو أقل من ستمائة ألف طن في العام 2010م. اعتمدت الدولة خطة طموحة للنهوض بالإنتاج من الأسمنت وذلك لتخطي حاجز الندرة التي كانت تضرب البلاد من حين إلى آخر في ظل نهضة تنموية وعمرانية كبيرة تمضي فيها الدولة، فكان دخول مصانع بربر بطاقة إنتاجية (1.4) مليون طن في العام، ومصنع أسمنت السلام بطاقة إنتاجية (720) ألف طن في العام، ومصنع النيل بطاقة إنتاجية (10) آلاف طن في العام، وبالإضافة إلى زيادة خطوط إنتاج بمصنع عطبرة قفزت بالطاقة الإنتاجية إلى (1.2) مليون طن في العام، وكذلك دخول مصانع أحكام والسوداني والتكامل والشمال، وفي الطريق أكثر من عشرة مصانع تمت المصادقة عليها. وصل حجم الاستثمارات في صناعة الأسمنت إلى أكثر من ملياري دولار وهي بالتأكيد ستقفز إلى أكثر من ذلك بدخول تلك المصانع المصادق عليها، وبعد أن كانت البلاد تستورد كميات كبيرة من الخارج فإن البلاد وصلت إلى فائض يقدر بثلاثة ملايين طن في العام وتمضي الخطة للقفز بالإنتاجية إلى (13) مليون طن في العام وقد بدأت تظهر آثار هذا العمل الكبير في سلعة الأسمنت من حيث الوفرة والسعر، ولكن في ذات الوقت فإن الفائض بهذا الحجم الكبير يشكل تحدياً للدولة والقطاع الخاص المستثمر في الأسمنت لفتح أسواق خارجية، وعلى الدولة تحديداً العمل على تشجيع التصدير بعدد من الإعفاءات في الرسوم والضرائب بالقدر الذي يمكن هذه المصانع من المنافسة في الأسواق الخارجية، ولن تخسر الدولة من ذلك طالما أن هناك عائداً من العملات الأجنبية بالإضافة إلى المحافظة على استمرارية هذه المصانع والتوسع في هذه الصناعة التحويلية بدلاً عن توقفها والرجوع إلى مربع الاستيراد من جديد، وهذا هو التحدي أمام هذه الصناعة التي تتوفر لها كافة فرص نجاحها في بلادنا. تعتبر جهود الدولة في صناعة الأسمنت نموذجاً لنجاحاتها وقدرتها في الانتقال بالبلاد من مرحلة الندرة وتقلبات الأسعار إلى الوفرة واستقرار الأسعار في مستوى معقول يتدرج رويداً رويداً حتى يصل إلى أسعار مثالية تتيح لكل مواطن المجال لبناء المسلَّح أسوة بالأغنياء ويجب ألا ننسى أبداً أن سعر الطن من الأسمنت كان في يوم من الأيام يتجاوز مليون جنيه بالقديم أما اليوم وفي ظل ارتفاع الأسعار يستقر عند (450) جنيهاً للطن وهذا وحده يعطينا صورة مقربة لخطط الدولة وسياساتها ومستوى تنفيذاتها والآن السكر يقطع شوطاً مقدراً بذات الطريقة التي عبر بها الأسمنت... ونواصل