تقول محلية الخرطوم أنها بصدد إعادة بعض مواقف المواصلات مرة أخري إلي وسط الخرطوم ، واشارت أنباء أمس الأول إلي أن الترتيبات جارية لتشغيل الموقف القديم غرب المسجد الكبير والذي من المؤمل أن يتم تخصيصه لمواصلات شرق النيل . بذات القدر ستتم العودة مرة أخري لإحياء موقف السكة حديد هو الآخر . ولعل هذين النموذجين وحدهما -بخلاف عشرات النماذج -يكشفان عن أزمة تخصنا وحدنا نحن هنا في السودان ، هي أزمة إتخاذ القرار . فالقرار يتخذ بسرعة وينفذ بسرعة دون أن تسبقه دراسات عميقة جادة تحمل حلولاً جذرية ، فقرار ترحيل المواقف من وسط الخرطوم كلف الحكومة الكثير وكلف المواطن العادي البسيط الكثير وكلف أصحاب الاعمال والمهن والتجار الكثير بل أن بعض اصحاب الحافلات كلفهم الكثير ومضت عليه الآن سنوات ،في زمن ما أغلي فيه الثواني والدقائق ، وهاهم متخذوا القرار في المحلية من أول وجديد يعودون لإلغاء قرارهم بدم بارد . فلا هم برروا منذ البداية تبريراً شافياً مقنعاً أسباب الترحيل ولا هم برروا الآن ولو بالحد الأدني للمنطق أسباب العودة. بل الغريب أن الوالي كانت لديه خطة للتخلص نهائياً من المواقف والعمل بنظام الخطوط الدائرية وقد إستوردت الولاية بهذه المثابة دفعة جديدة من البصات دفعاً لهذا المشروع ولا ندري وفق هذه التطورات (التراجعية) هل مشروع الوالي الدائري قائم ، أم أن المثل السوداني الذي يقول(النسي قديمو تاه) هو الذي بات يحكم المسألة. إننا للأسف الشديد لا نزال نتعامل بعقلية سفلتة الشارع أولاً ثم حفره مرة أخري وتوصيل الكيبلات وشق المصارف وهي عقلية هندسية (سودانية خالصة) . ففي هذا الوقت الذي تتم فيه إعادة موقف وسط الخرطوم هنالك مشروع وشيك بإعادة تشييد وتوسعة مسجد الخرطوم الكبير وقد تأكد أن هذا العمل سوف يستغرق وقتاً طويلاً حتي ولو تم تقسيمه إلي مراحل ، كما تأكد أن العمل يستلزم إجراء حفريات وإستخدام آليات كبيرة طالما أن هنالك طابق تحت الارض أو كما سمعنا وقيل ، يراد تخصيصه ل (المنافع) والوضوء . عمل كهذا بذهنيتنا الهندسية السودانية في ظل إعادة الموقف قريباً من منطقة غرب المسجد الكبير ، من شأنه إذا حدث أن يخلق أزمة سير ومرور غير مسبوقة تضاف إلي أزمة الغبار والأتربة المعتادة في هذه المنطقة . ولنا تاريخ وتراث حافل في شأن (الحفر) والحفريات وقد رأينا المدي الزمني الذي أخذته واحة الخرطوم تلك الحفرة التي بلغت أرذل العمر قبل أن ترتفع شاهقة وحتي هي لم تنتهي أعمالها حتي الآن وهي ليست ببعيدة من الموقف . خلاصة ما نود قوله هو أن أمر إعادة الموقف سواء كان تراجعاً أو مراجعة ، فهو دون شك يثير البلبلة ويثير التساؤلات ، ونحن يهمنا أن سلطات المحلية حين تتخذ قراراً من القرارات تتخذه وهي مطمئنة وواثقة الخطي تمشي نحو غايتها وواثقة من صحته وسلامته حتي لا تضطر للتراجع عنه لاحقاً بثمن باهظ وفي وقت غير مناسب. وقد أثبتت الكثير من (المواقف) والحالات أن التراجع في الغالب يكون في الوقت غير المناسب والأمثلة علي ذلك كثيرة . إن أكثر ما تعاني منه الخرطوم الآن هو سوء التنظيم ، والاضطراب في ترتيب الأولويات ، فالسلطات المحلية تنتهج منهج (التجربة والخطأ) في أعمالها ، وهو منهج عليل يغيب معه حسن التقدير ويفتقد إلي بُعد النظر وفوق هذا وذاك فهو باهظ التكلفة ، فالتجربة بالشئ (الفلاني) ووقوع الخطأ هو خسارة وفقدان لهذا الشئ الفلاني ، أما تصحيح الخطأ فهو يكلف أضعافاً مضاعفة .