والرواحل تحط بنا في إحدى قرى النيل الأبيض في اتجاه «الروات».. وشيخ القرية يفاجئنا باحتجاجات كبيرة حول أوضاع بهائمهم قائلاً «فهم البهائم ديل من فهم الحكومة.. ما عرفنا فهم الحكومة شنو فوق المراعي والعلاجات والموية.. وأكان بقى ما دايرة تحل لينا مشاكلنا التعذرنا أكان مشينا على «.....» و «فلستوب».. والشاهد والدلائل مؤكدة على أن موجة مشاكل متتالية تواجه المراعي الطبيعية بولاية النيل الأبيض هذه الأيام.. ولا نريد أن نقدم حكماً مسبقاً على النشاطات الزراعية التي لها تداعيات على مسارات المراعي أو على رعي الحيوان بالمنطقة.. ولكن مر الشكوى التي تداوم عليها ألسنة الرعاة تعطي مؤشرات مؤكدة لضرورة التفاف الجهات المعنية بولاية النيل الأبيض حول جمر قضايا هؤلاء المجاهدين.. «أصحاب السعية».. وكم كانت اللحظات مترعة بالمرارة عندما جاء «رجل كبير في السن» يحمل كيساً ممتلئاً بعدد كبير من إيصالات الرسوم التي دفعها ويدفعها في مقابل سعيته.. ويعود شيخ القرية قائلاً «شكينا لكل الجهات بالولاية وما فضل لينا إلا نمشي الخرطوم».. ويردف «وليداتنا كلهم شغالين في الحكومة لكن ما جايبين خبرنا نحنا ناس القرى دي..».. ولم نجد قولاً نبثه لهم إلا تلك المقولة المشهورة «سنقوم بنقل شكاويكم إلى الجهات المعنية».. «أها الجهات المعنية إن شاء الله الرسالة وصلت».. الرجاء التكرم بمحاولات جادة لتعويض البدائل الرعوية بعد وعقب الانفصال.. بلاغة الرعاة لا يساورني أدنى شك أن البيئات الرعوية ترفد ذهنية أهل السعية بالحكمة والبلاغة.. وكثيراً ما نلتقط من أفواههم حكماً لا تنسى.. ولا غرو فالأنبياء قد تمرسوا أخلاق التربية والصبر على السعية والسعي بها.. فهي تنتطوي على قيم إنسانية كبيرة أهمها طول البال والاحتمال والصبر على اللا عقل الذي تتميز به السعية.. ولكن بعض الأفكار يلتقطونها من تداولهم لواقعهم «القاسي».. والقاسي هنا بالنسبة لنا نحن الذين نجيئهم في حالات المرور من فترات لفترات.. وصديقنا دكتور «سر الختم» تعجبه «حكمة ذلك القادم من النيل الأبيض» حينما قال له «بين الصدق والكذب أربعة عقل».. وقام الرجل بوضع أصابع يده الأربعة ما بين الأذن والعين».. ü كرم الرعاة والقرى وحالات الكرم التي طوقنا بها أهلنا في النيل الأبيض خاصة في القرى تعطي وتنبيء عن تفهمهم للعمل البيطري ودوره في حفظ سعيتهم بحالة صحية جيدة.. بالتالي سد ثغرة الأمن الغذائي وحاجة بعض الصادر.. وما يزال الزائر لتلك القرى في حالة «العزومة» للشراب وللأكل.. العصائد الساخنة والألبان الطازجة و.. و.. ولا تملك إلا أن تستجيب مرة وتردد مرة أخرى أنك على سفر.. وهي دعوة لكل من جاء على أكتاف هؤلاء لمنصب أو مكانة مرموقة أن يتذكر أنهم هناك بلا مقومات أساسية. آخر الكلام: إن كنت يوماً تريد أن تعرف الإيمان على أصوله.. عليك بيوم كامل في رحاب القرى وأصحاب السعية.. وللنيل الأبيض مكانة في ذلك.. مع محبتي للجميع..