ومرة أخرى وأخيرة إلى مولانا الشيخ الغنوشي.. واليوم سلاماً ووداعاً.. وأقول.. أنتم معشر الإسلاميين.. تندفعون إندفاع السيل.. في ركضكم بل هرولتكم إلى كراسي الحكم.. ولن نعمم.. لأن فيكم من يبتغي وجه الله وإرضائه ورسوله.. لإقامة شرع الله على الأرض.. وفيكم من يحمل هذه الرايات المنحوت على ديباجتها شرع الله وتحكيمه.. والهدف ليس شرع الله بل لهم فيها مآرب أخرى.. وهذا الفريق وذاك.. بل لو اجتمعتم كلكم الصادقين المؤمنين والمخلصين مع الذين يبتغون عرض وأموال الدنيا.. لن تساووا قطرة في محيط الخليفة العادل عمر بن الخطاب ورعاً وديناً وزهداً.. وإليك شيخي الجليل.. أثر من آثار عمر بن الخطاب.. خوفه ووجله من حمل أمانة الحكم باسم الإسلام والقيام على أمر الرعية.. ذاك الحكم الذي تتقاتلون عليه قتال الوحوش الضواري.. فريق منكم يحشد له المال والمصارف والترغيب ليأتي هذا الفريق عبر صناديق الاقتراع وفريق يأتي إليه عبر بحار من الدم وأشلاء من الأجساد وفريق يأتي إليه متسللاً في جنح الظلام وعبر مواسير البنادق.. تعال معي لترى خوف عمر بن الخطاب ووجله بل وبكاءه من تلك الأمانة.. خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرة من عند بشر بن عاصم خرج كئيباً محزوناً فلقيه أبو ذر رضي الله عنه فقال مالي أراك كئيباً حزيناً فقال عمر رضي الله عنه مالي لا أكون كئيباً وحزيناً وقد سمعت بشر بن عاصم يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «من ولي شيئاً من أمر المسلمين أتى به يوم القيامة حتى يوقف على جسر جهنم فإن كان محسناً نجا وإن كان مسيئاً انخرق به الجسر فهوى فيه سبعين خريفاً». أرأيت شيخنا الجليل هول الأمانة وعظمة التكليف؟؟.. إذاً لا تفرحوا بهذه الأمانة التي أشفقت عن حملها الجبال الراسيات.. وخوفنا عليكم هو الذي شهدناه بأعيننا وعشناه بأجسادنا وقلوبنا وعقولنا.. وأعلم مولاي.. أن أسوأ عشر سنوات عاشها الشعب السوداني.. هي في بداية إعصار الإنقاذ.. وعندما كان صديقكم وحبيبكم وأخشى أن أقول شيخكم مولانا الدكتور الترابي عندما كان من يصنع القرار أو على الأقل من كان يبارك أو يساهم في صنع القرار.. لقد عشنا في تلك السنوات وجابهنا في تلك الأيام المحن والأهوال.. سيطر الرعب والخوف على كل فرد لا ينتمي إلى الحزب الإسلامي وسكن الفزع في قلب كل مواطن لا يستظل بمظلة «الأخوان».. وكلنا مسلمون.. وبتنا نتساءل هل هذا هو نموذج الحكم الإسلامي الذي كان يتوق إليه المسلمون.. شرد القائمون على أمر الوطن المواطنين.. والذين هم الرعية من الوظائف والأعمال تحت مقصلة الصالح العام.. واحتل أعضاء الحركة الإسلامية كل مواقع الدولة تحت باب التمكين.. تلفتنا يمنة ويسرى لنرى أين شرع الله مطبق فلم نرى غير أسماء إسلامية على واجهات المتاجر والطرقات والمخابز.. لن أعدد لك الظلامات والمظالم.. فقد كانت أهوال يشيب من هولها الوليد.. ثم أدرك هؤلاء القادة.. أن سفينة الوطن لن تبحر بهذه المجاديف وذاك الملاح.. وشيئاً شيئاً بدأت العاصفة تنحسر.. ورويداً رويداً بدأت المركب تبحر.. وبدأت العافية تسري في ذاك الجسد المنهك.. وعرف هؤلاء «الأخوان» أن الاقصاء لن يبني وطناً وأن الغلواء لن تجدي فتيلاً ولا نفعاً.. لذا سيدي ننصحك بأن تبدأ عهدك من حيث انتهت الإنقاذ.. لا تقتفي ذاك الأثر وهي في مطلع انطلاقها حاول ما أمكن ذلك أن تستفيد من أخطاء تطبيقنا.. افتح النوافذ مشرعة للفرقاء الذين تصدوا معكم أيام الثورة للطاغية بن علي.. أجعلهم شركاء في قيادة الدولة.. نعم فرق كثيرة.. وأهمها مصر.. من قادة الإسلام الداعين لتحكيم شرع ترفع راية واحدة.. وكل برنامجها مختصر في جملة واحدة.. وهي «الإسلام هو الحل» نعم.. إن الإسلام هو الحل.. ولكن كيف وما هي تفاصيل التفاصيل.. وما هي الإجابات التي سوف تنهمر كوابل المطر الهاطل.. كيف هي حركة المال.. كيف هي استقدامات القروض وشروط القروض.. كيف هي السياحة.. وهنا سيدي هي المعضلة الأولى التي سوف تواجه حكمكم.. تأكد أن هناك من غلاة أعضاء حزبكم سوف يقفون.. بل ينهضون جنادل وصخور في مجرى نهر السياحة.. وأن بعض الغلاة سوف يقطعون بحرمة الغناء والتمثيل والموسيقى.. وأن هناك من إخوانكم سوف يغلقون أبواب تونس بالضبة والمفتاح والمزلاج أمام الأفواج السياحية.. أنا أخشى عليكم كثيراً.. وأشفق عليكم كثيراً ولا أكاد أتصور تونس تلك الخضراء.. سوف يحططب فيها العشب.. وتصبح فقط مزرعة صغيرة.. تبيع الزيتون.. أما إن كان لي أن أنصحكم.. فإني أقول.. توجهوا فوراً إلى تركيا.. وانقلوا تجربة أوردغان بالكلمة والحرف والشولة.. لك خالص الود