السودان بلد المحبة و التسامح والتواصل والمواطنة الحقة لا يفرق بين أبنائه لون ولا دين ولا جنس- شعاره شعار الإمام عبد الرحمن المهدي (أبو الاستقلال) ونجل رافع لواء الشريعة وصانع مجد الاستقلال الأول الإمام المهدي (عليه السلام).. وشعار الإمام عبد الرحمن الذي نعرفه جميعاً:- (لا شيع ولا طوائف ولا أحزاب.. ديننا الإسلام.. ووطننا السودان).. تحت هذا الشعار عاش السودان، وكافح وناضل وأسهم بنوه جميعاً المسلم والمسيحي واليهودي واللا ديني والوثني في صنع حريته واستقلاله ولم يتعادوا يوماً من أجل عقيدة أو دين وعاشوا وتعايشوا وتواصلوا إخوة أحباء في مدينة واحدة بل في حي واحد وفي شارع واحد لا فرق بين مسلم ويهودي ومسيحي أو هندوكي أو وثني.. ففي شارع واحد في أم درمان كنت تجد كل هذه الأصناف وهذا التنوع.. ولنتخذ شارع الأسبتالية من حينا فريق الشيخ دفع الله الغرقان وحي البوستة مثلاً.. ففي هذا الشارع كان يقيم صمويل جرجس وشقيقه روماني ووالدتهم لبيبة ويجاورهم في نفس الحوش العم والصديق الراحل الأب فيليب عباس غبوش واسمه قبل التنصير عباس غبوش الإمام وإلى جوارهم الوطني المناضل الجسور صاحب عمود (أيها الختمي تقدم) الوزير الاتحادي محمد زيادة المحامي وزوجته المحسنة الراحلة الدكتورة خديجة التي تتفجر عطاء وإنسانية.. وإلى جوارهم أحد أعلام الخريجين ورجال المؤتمر العم الأستاذ يوسف محمد محمود يلاصق منزله منزل المواطن السوداني اليهودي رجل الأعمال إلياهو يوسف عبودي ويواجههم منزل الطبيب اليهودي الإنسان المحسن المرحوم سليمان بسيوني الذي كان يعالج الفقراء بالمجان ويخصص في عيادته يومين في الأسبوع للمرضى من الفقراء والمعذرين.. ولا يكتفي بعلاجهم بل يقدم لهم الدواء بالمجان.. وفي عيادته عمل ممرضاً الفنان مهدي ثنائي الفنانين المشهور مهدي والريح.. أحد أعمدة فن الغناء الشعبي ومن مؤسسي فرقة فلاح وقد تخصصوا في أعمال الشاعر الراحل محمود طرنجه، وأشهر أعمالهم (جمال زي ده أصلوا ما معقول). في هذا الحي كانت مدرسة القبطي جورج أسعد تواجه منزل العم العالم الشيخ مجذوب مالك وبعض منازل آل بدري.. وعلى مرمى حجر من منزل الزعيم إبراهيم المحلاوي- كان سكان الحي على اختلاف عقائدهم ومذاهبهم وأديانهم أسرة واحدة متحابة متجاورة.. ولا يزال أبناؤهم وأحفادهم يتواصلون حتى اليوم كل ما أتيح لهم ذلك.. تجمعهم كافة المناسبات والمواسم والأعياد.. وكأنما كان شعارهم الخالد.. (إيَّاهو ده السودان).. (ولي وطن أبيت ألاّ أبيعه وألاّ أرى غيري له الدهر مالكا وحبب أوطان الرجال إليهمو مآرب قضاها الشباب هنالكا إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهمو عهود الصبا فيها فحنوا لذلكا)