خلال الأسبوعين الماضيين جرت محاولات لتصوير ما يدور في جنوب كردفان والنيل الأزرق على أساس أنها عمليات عسكرية واعتداءات حكومية على المدنيين. وكانت محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من قوات التمرد التي تمثل شوكة دائمة في جنب السودان، تمنعه من الحركة والانطلاق بعد انفصال الجنوب وللتمهيد لعمليات تمزيق جديدة لما تبقى من السودان. لكن أكثر ما لفت الانتباه ما ختم به سلفاكير مهرجان تصريحاته التي جعلت من شتاء الخرطوم ساخناً، إذ قال إن البشير يريد السيطرة على مناطق بترول الجنوب.. هل هو سيناريو جديد لإدخال المجتمع الدولي في مشكلة وضعوها وبيدهم إنهاؤها؟ وهل ينجح المخطط؟ وما هي القوى التي تقف من خلف ذلك؟ وما دور البترول في كل ذلك؟! يرى د. الأمين عبد الرازق أن تصريحات سلفا كير الأخيرة حول توجيه الاتهام لحكومة الخرطوم بأنها تتجه لاحتلال بترول الجنوب جاءت نتيجة طبيعية وردة فعل متوقعة لإطلاق حكومة الخرطوم لاتهامات لحكومة الجنوب بأنها تدعم التمرد في جنوب كردفان والنيل الأزرق، وأشار عبد الرازق إلى أن دعم الخرطوم للقيادات المتمردة على حكومة الجنوب خاصة فيما يتعلق بأحداث ولاية الوحدة يشكل سبباً أساسياً في توتر الأجواء بين الخرطوموجوبا، وأضاف أن إعلان الجبهة الثورية الجديدة يعتبر أحد التداعيات الخطيرة. وأكد د.الأمين أن تبادل الاتهامات بين الخرطوموجوبا وتصاعد الأزمة مع حكومة جنوب السودان يمكن أن تدفع حكومة جنوب السودان للتسلح، مشيراً إلى أنه إذا حدث ذلك فإن حكومة جنوب السودان ستجد الدعم الأجنبي وستكون فرصة لتدخل أجنبي ينعكس سلباً على الخرطوم. وقال الأمين إذا فكرت حكومة الخرطوم في احتلال بترول الجنوب فهذه كارثة، وأضاف أنه ليس بمقدور حكومة الخرطوم الوصول إلى جوبا، الأمر الذي تمنعه اتفاقية نيفاشا التي نصت على ترتيبات أمنية أدت إلى انفصال الجنوب وسحب الجيش السوداني من أرض الجنوب فهل بمقدور الخرطوم أن تصل جوبا وهي من قبل عجزت عن تحقيق الوحدة. وأكد د.الأمين أن المصلحة بالنسبة للخرطوم وجوبا تتمثل في علاقة تكامل بين الدولتين، مشيراً إلى أن ذلك لن يتم إلا بحل القضايا العالقة في أبيي والنيل الأزرق وجنوب كردفان، وقال إن على الخرطوم أن تنتبه إلى الأزمة الاقتصادية الخانقة في السودان وأن يجلس الطرفان في طاولة حوار، مشيراً إلى أن موقف سلفا كير المتقلب هو ليس بالأمر المدهش أو الغريب لأنه مرتبط بالوضع الميداني. واتفق الخبير السياسي د. جمال رستم مع د. الأمين عبد الرازق في أن تصريحات سلفا كير جاءت رداً على الخرطوم والقضايا العالقة بين دولتي جمهورية السودان وجنوب السودان هي العقبة أمام وجود علاقات جوار تقوم على تبادل المنفعة، وأضاف أن تصريحات سلفا كير الأخيرة وفي هذه الفترة هي تصريحات يهدف من ورائها إلى إحراج الحكومة وممارسة ضغوط دبلوماسية وسياسية عليها حتى تقدم تنازلات لتحقيق المكاسب وقال إن سلفا كير بتصريحاته هذه يقصد استشعار واستعطاف العالم بالضرب على أوتار مظالم الحرب القديمة. وأشار رستم إلى أن ما يصرح به سلفا كير هو محاولة منه لاستفزاز الخرطوم حتى تستعجل المفاوضات معه، قائلاً إن سلفا كير مثل الطفل الرضيع مرتبط بأمه جمهورية السودان ويسعى لجر الحكومة إلى اتفاقات مثل اتفاقيات أديس في ظل مشاكله الاقتصادية التي تعاني منها دولته الوليدة، وقال إن حجم السلع التي تنساب من جمهورية السودان إلى دولة جنوب السودان تشكل 137 سلعة. وأكد رستم أن تصريحات سلفا كير جاءت نتيجة الخوف «جاء لقاءها باردة» وأضاف أن الحكومة منتبه تماماً إلى تربص الولاياتالمتحدة بالسودان وأنها لا تسعى إلى عمل عسكري في مناطق بترول الجنوب،الأمر الذي ينصب في مصلحة الأجندة الخارجية. واتفق مع د. الامين في أنه لابد من أن يجلس الطرفان إلى طاولة حوار تدرك أن تطبيع العلاقات بين دولة جنوب السودان الوليدة وجمهورية السودان يعود بالمصلحة للطرفين. ويرى مراقبون أن تبادل الضربات تحت الحزام وتبادل هذه الاتهامات بين الخرطوموجوبا إنما يقود إلى مزيد من التدخلات الأجنبية ويخدم أجندة صهيونية، وعلى سلفا كير والبشير أن يدركا أن الشعبين لا يرغبان في الدخول في حرب بعد أن فقد الشمال جزء عزيز والجنوب الذي يعاني من الأزمة الاقتصادية والحروبات الداخلية وأن تسرع الحكومتان في حل القضايا العالقة التي تشكل عقبة في طريق تطبيع العلاقات وتبادل المنفعة.