قراءة نقدية شاهدت، ممتليء النفس بالرغبة والحماس في يوم الخميس 19/11/2011م مسرحية حكاية المدينة (س) علي خشبة المسرح القومي بأمدرمان في عروضها الثانية وهي من تأليف الأستاذ عثمان علي الفكي وإخراج عبد الحكيم الطاهر ومعه عبد الله الميري مخرج ثان، وهكذا تتلاقي عصارة فكر ووجدان قمم لتقدم لجمهور المسرح عمل مميز. تعالج مسرحية حكاية المدينة(س) في إطار تريجو كوميدي ونقدي تمازج أحوال الناس والمجتمع مع سلطة الحكم ، وهو ما يعرف بالمسرح النقدي، فعلى سبيل المثال عندما يعجز الحكام عن تحقيق مجتمع الكفاية والعدل وتوفير فرص العمل وإحتياجات الناس الحياتية يلجأون إلي إختراع أساليب وآمال سراب مثل ورقة اليانصيب بهدف تخدير الشعوب كيلا تثور وتطالب بحقها في الحياة الكريمة !! فيظل الحال كما هو عليه قلة حاكمة متسلطة تنعم بحياة باذخة وأموالاً مكدسة وكثرة فقيرة مسحوقة تستنيم علي خدر وأمل ضربة حظ، وهكذا تصبح ورقة اليانصيب بمثابة الدرع الذي يقي طبقة الحكام ومواليهم من خطر إنتفاضة الفقراء والمقهورين وتقتل في نفس الوقت طموحهم الثوري.جدير بالذكر أن الأخ عثمان علي الفكي كتب مسرحية حكاية المدينة (س) إبان العهد المايوي ووقتئذٍ كانت مراهنات توتو كورة في أوجها. وفي تلك الآونة راجت نكتة أو ملاحة للأخ الدكتور حداد عمر كروم حين قال:(ثورة مايو الله يطراها بالخير خلت حياتنا كلها أفراح!! الواحد يزاحم ويقيف اليوم كله في صف البنزين ولما يصرفوا ليه كوتة جالونين يفرح !! وشنو وكمان الكوتة مرة واحدة في الأسبوع !!ويزاحم ويقيف في صف الرغيف الساعات الطوال ولما يلقي ليه كم رغيفة يفرح ويزاحم ويقيف في صف وصف وصف ويفرح ويفرح ويفرح و.. ودامت الأفراح. إستطاع الأخ عبد الحكيم ببراعة المخرج المتمكن بالتضامن مع المخرج الثاني عبد الله الميري إستخدام فنون وضروب الإخراج المسرحي وقوالبه المعروفة ومؤثراته في الديكور والموسيقي والإضاءة وإدخال اللقطات السينمائية ، فقدما عملاً متفرداً ويتكامل إبداعهما مع كوكبة الممثلين :- في دور الجد عبد الحكيم الطاهر - آمنة أمين في دور الأم -كامل الرحيمة في دور الخال - محمد المجتبي في دور الإبن - هدي مامون وهنادي عمر في دور البنات - منتصر إبراهيم في دور ثانوي. وكان للحضور الفني لكوكبة الممثلين وروعة إدائهم الأثر الفاعل في نجاح العمل المقدم فأثبتوا بذلك أنهم في مصاف النجوم المتلألئة في سماء عالمنا الفني ويصدق في أداء هذه المجموعة قول الكاتب المسرحي أشلي ديوكس في كتابه الدراما حين قال الممثل وحده دون المشتغلين بالفن المسرحي هو الذي بيده مفتاح مصير الخيال حتي لو كان الآخرون هم اللذين وضعوه علي عتبة العمل المقدم. كان بودي أن أوفي كل المشاركين في مسرحية حكاية المدينة (س) حقهم من النقد والتقريظ وبسط ألوان الإبداع الذي أسهم به كل منهم خاصة أولئك الأبطال المجهولون خلف الستار حتي خرجت المسرحية عملاً عظيماً أرجو مخلصاً أن تنال حظها من النقد والتحليل العلمي اللذين لا يخفي أهميتهما في توجيه مسار نهضتنا المسرحية نحو الآفاق الرحبة. وكلمة أخيرة أقولها في شأن مسرحية حكاية المدينة (س) ومبدعيها ، وهي أن دليل سمو أي عمل فني ونجاحه يتمثل في حكم الجمهور عليه ، فالجمهور دائماً وأبداً هو الحكم والفيصل في كل عمل يقدم !! وعليه وحده يتوقف النجاح والفشل، فما أن يسدل ستار العرض الأول للمسرحية حتي ينتشر خبر جودتها أو هبوطها من خلال جمهور المشاهدين، وهذا ما يسميه خبراء الإعلام سر الجمهور حيث يرتبط العمل الفني بجمهوره بحبل سري كإرتباط الجنين بأمه في مراحل تكوينه المختلفة ، فمثلما تغذي الأم جنينها لتضمن له الحياه كذلك الحال بالنسبة للمسرح ورواده فلا حياة لمسرح بغير جمهور وهذا ما قطع به الناقد المسرحي سارسيه حين قال مسرح بلا جمهور كأسماك بلا ماء وفي هذا الشأن والإطار وعلي إمتداد عروض مسرحية حكاية المدينة(س)علي خشبة المسرح القومي بأمدرمان ظل إقبال المشاهدين ظاهرة لا تخطئها عيون المارة بشارع النيل وهذا لعمري الدليل القاطع علي نجاحها مع مزيد من التقدم والنجاح الإبداعي والود والتضامن بين الأخوين عثمان علي الفكي وعبد الحكيم الطاهر. أ. د . عقيد (م)