ومن وسط ركام وتلال الأسى.. ينهض عمود مضيء.. ومن عتمة وحلوك الليل البهيم.. يتسلل في بهاء وإشراق خيط من الضوء المبهر الوسيم.. ومن لجة الخوف والرعب.. تتقافز في السماء سحابة مثقلة الأحشاء.. تحمل الطمأنينة والاطمئنان والأمل.. وها نحن وقد كنا نظن أن مراكبنا قد تاهت.. في عرض المحيط.. وقبطاننا قد انبهمت.. وانسدت في مدى رؤآه علامات الطريق.. في قلب هذه الأمواج المصطخبة.. والأسئلة التي تزحم الأفق متراصة ومتراقصة والسؤال الذي يدوي كالطبول.. ماذا بعد الاستفتاء.. اهو سودان واحد موحد.. كتلة فولاذية عصية على التفتيت.. أم.. سودان.. مهشم منحور.. مذبوح.. مشطور.. مقهور.. اسمه.. ورسمه على خرائط الأطلس دولتان.. كانتا.. روحاً واحدة حلت بدنا.. في قلب هذه.. الدوامة المفزعة.. يأتي الأستاذ.. أتيم قرنق.. وتأتي معه الحكمة.. وتأتي حروفه.. نسمه هواء باردة ومنعشة.. في نهار قائظ وسط صحراء محرقة.. وتحت شمس لاهبة.. تشوي الأجسام والعظام.. والحجر.. ويا لروعته من تصريح.. ويا لبهائها من كلمات.. ويا لحكمتها من اقتراحات.. يقول أتيم قرنق.. «إذا أردنا وحدة.. صميمة.. حقيقية وجاذبة.. يجب إنشاء مفوضية للسلام الإجتماعي.. (مفوضية تصافي وتعافي).. سلم فوك.. يا أتيم.. ودعني أهتف.. «ده الكلام».. ويا له من كلام.. وها أنا.. مثلي مثل أحبائي الوحدويين.. أحذو حذو النعل بالنعل.. مع صديقي.. جمال حسن «الحرة».. وهو يطلق مباركته لكلمات «قرنق».. ومازلت براً حفياً بل أشاطر وأشارك صديقي وأستاذي حيدر المكاشفي «الصحافة».. بل أشاركه الفزع والرعب.. والخوف من المجهول.. وهو يقول في حروف صدق في لوعة محب.. في صدق ونبل عاشق.. «إن شاءالله ما آخر وداع يا جوبا».. طبتم وطابت نفوسكم الكبيرة.. ووطنيتكم الشاهقة وأخلاقكم الشاسعة.. يا جمال.. يا حيدر.. يا أتيم.. نعم أنا معك يا أتيم.. ولو كنت محل الحكومة.. ولو كنت مكان الرئيس البشير.. وهذه (IFN03).. ولو كنت مكان الأستاذ النائب علي عثمان.. وأيضاً هذه من مستحيلات الدنيا والكون ونواميس الأرض.. لو كنت مكان هذه القيادة.. لشرعت اليوم قبل الغد في إنشاء هذه المفوضية.. تماماً مثل ما فعل «مانديلا» في جنوب إفريقيا.. لنشيع المحبة والتصافي.. بل لتكون أيامنا.. صافية لبن.. بل صافية عسل.. بيننا والإخوة الأشقاء الجنوبيين في هذا الوطن.. بالله عليكم ماذا يضيرنا.. لو غسلنا أنفسنا.. من «أكوام» الخطايا بالإعتذار.. ماذا لو مددنا الأيادي بيضاء بعد أن نطهرها من دنس كل موبقة.. ماذا لو اعتذرنا عن أخطائنا بل أخطاء بعض منا.. أولئك الذين زرعوا في قلوب الأشقاء الجنوبيين أطناناً من الشك.. وبددوا رصيداً هائلاً من الثقة التي فتتوها بالانتهازية والتحايل.. والكسب غير المشروع واستغلال «غشامة» ومسكنة مواطنيهم.. فالتنهض هذه المفوضية اليوم قبل الغد.. ترياقاً مضاداً للقبح.. والكراهية والغل.. والغلواء في التعصب.. لنكسر شوكة الاستعلائيين.. العنصريين الهشة الدامية السامة.. هذا هو الطريق.. الذي تنزلق فيه عجلات لوري الوحدة.. وصدقوني.. إنه الطريق الوحيد.. ودعكم من «علوق الشدة» وترديد الإذاعات والفضائيات في غباء وبلاهة.. وفي موسمية مقيتة.. ترديد.. الأغاني.. البائسة.. مثل أنا وأخوي ملوال.. والحديث عن جوبا.. وكيف.. هي وفي تمثيليات فطيرة.. أختاً.. وحضناً.. دعكم من هذا البؤس المسكين.. ولأي مواطن جنوبي.. أن يسألكم «طيب كنتو وين وخمسين سنة وتزيد.. ونحن لا على البال ولا على الخاطر».. صدقوني.. إن مثل هذه الأناشيد البائسة «اللبسات الفلكلورية» الغشيمة المضحكة.. يكون أثرها.. سلبياً إلى أقصى مدى.. سيدي الرئيس.. سيدي النائب.. الأول.. كون هذه المفوضية الآن من أخيار.. وأعيان.. وأفضل العناصر.. من الجنوب والشمال.. وسيكون الحصاد وفيراً ومبهراً..