ü أخبار الثلاثاء حملت لنا نبأ يقول إن الحكومة ألغت أو «شطبت» وزارة الاستثمار في تشكيلة الحكومة الجديدة على أن تتولى مهام الاستثمار رئاسة الجمهورية- بجلالة قدرها- عبر «المجلس الأعلى للاستثمار»، والهدف من ذلك، كما يقول الخبر« إزالة معوقات الاستثمار وتشجيع المستثمرين للدخول في مجالات الاستثمار كافة» مع الإشارة إلى تعديلات جوهرية في قانون الاستثمار فيما يختص بنزاعات الأراضي وتكوين لجنة حكومية، برئاسة رئيس الجمهورية- أيضاً- مهمتها فض المشكلات بين المستثمرين والمؤسسات الحكومية، وتأسيس عدد من مراكز التحكيم- إلى جانب تلك اللجنة التي يرأسها رئيس الجمهورية- لفض النزاعات- بالإضافة إلى إنشاء محاكم خاصة بالاستثمار في رئاسة الولايات تختص بقضايا الاستثمار!! «الأحداث 29 نوفمبر». ü في ذات اليوم قالت الصحف التي حملت أخبار البرلمان، إن نواب المجلس الوطني عبروا في مداخلات لهم عن أن «كثرة الرشاوي والسماسرة تمثل المشكلة الأساسية للاستثمار الأجنبي بالسودان، وشوهت صورة البلاد، وشددوا على ضرورة معالجة الظاهرة ومراجعة كافة السياسات التي تحكم الاستثمار، وانتقدوا طريقة تضارب الاختصاصات بين الوزارات والقوانين، واعتبروها إحدى مشاكل الخصخصة المرتجلة» !! «الصحافة 29 نوفمبر». ü حاصل جمع الخبرين، خبر «الأحداث» المنسوب للدكتور مصطفى عثمان مستشار رئيس الجمهورية، الأمين العام المكلف للمجلس الأعلى للاستثمار المنوي إنشاؤه، والذي كان يتحدث في فاتحة أعمال المؤتمر الاقتصادي لمجلس الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة العربية. وخبر «الصحافة» عن الجلسة البرلمانية التي ناقشت تقرير لجنة الصناعة، يعطينا صورة واضحة، بل مكبرة، لأوضاع الاستثمار في بلادنا، التي انتقلت من حالة «المأزق»- والمآزق ربما تجد مخارج وانفراجات- إلى حالة «الفزورة»، من نوع تلك الفوازير التي يعمد مصمموها لأن تكون بلا حل، حتى يخرج كل المراهنين عليها خاسرين في النهاية، وليفوز بالجائزة من قاموا على تصميمها ولا أحد سواهم. ü الشواهد على هذا الاستنتاج كثيرة، نستخرجها من «عجينة» هذه الأخبار المنشورة: أولها قرار «أهل الحل والعقد» بحل وزارة الاستثمار ووأدها وحملها إلى «مثواها الأخير» وهي لا تزال «طفلة» لم تبلغ الحلم، دون أن يقال لنا «بأي ذنب قُتلت»، هل هو خشية «إملاق» أم فضيحة. فكما نعلم ويعلم الجميع أن هذه الوزارة قد تم اقتراحها وتأسيسها لتصبح «شباكاً واحداً» ومدخلاً رئيساً ومنسقاً أساسياً لعمليات الاستثمار، ذات «الشباك الواحد» الذي يتحدثون عنه اليوم، وذات المدخل القانوني لتشريعات الاستثمار، وذات المنسق الذي يقوم على استقبال المستثمرين وتشجيعهم وتسهيل أعمالهم سواء كانوا من الأجانب أو السودانيين مع مختلف القطاعات والجهات الحكومية والخاصة على مستوى المركز والولايات. فتقرر هكذا، وبدون مقدمات إلغاء الوزارة واستبدالها ب«مجلس أعلى» للاستثمار، ينقل المهمة- مهمة الاستثمار والإشراف عليه- من وزارة وإدارة تنفيذية يمكن - افتراضاً- محاسبتها وملاحقتها ومساءلتها من قبل البرلمان إلى «مجلس أعلى» يرأسه رئيس الجمهورية الذي تتفوق سلطاته على البرلمان، وبالتالي يخرج شأن الاستثمار من حيز المحاسبة والمتابعة إلى حيز ليس بإمكان البرلمان أو غيره من أجهزة الدولة التنفيذية أو الولائية فعل شيء بإزائه. ü المبرر الذي طرحه السيد عثمان في فاتحة ذلك المؤتمر لغرف التجارة العربية لإلغاء الوزارة أو وأدها هو «إزالة معوقات الاستثمار وتشجيع المستثمرين للدخول في مجالات الاستثمار كافة»، فهل وزارة الاستثمار «الموؤدة» هي التي كانت مسؤولة عن هذا التعويق؟! الإجابة ليست من عندنا، ولكن لدى نواب البرلمان، وجلهم من أعضاء الحزب الحاكم أو «نواب الموالاة» كما يقول اللبنانيون، هؤلاء النواب المحترمون قالوا- كما ورد أعلاه- « إن كثرة الرشاوي والسماسرة تمثل المشكلة للاستثمار الأجنبي بالسودان وشوهت صورة البلاد»، وأضافوا إلى ذلك «تضارب الاختصاصات بين الوزارات والقوانين، ومشاكل الخصخصة المرتجلة»، «كتَّر الله خير» هؤلاء النواب الذين وضعوا أصابعهم على الجرح الذي يمكن تلخيصه في «فساد المتنفذين» الذين يشترطون على المستثمرين «قرم نصيبهم» من الكيكة قبل أو بعد إدخالها إلى «الفرن». بالإضافة إلى «تضارب الاختصاصات» الذي كان يرجي أن تكون الوزارة المحلولة- وزارة الاستثمار- إحدى حلوله و «شباكه الواحد»، هذا غير «الخصخصة المرتجلة» التي كانت «حالات عارف وجمعة الجمعة» بعض نماذجها الصاخبة والمدوية، وطبعاً ما خُفي أعظم!. ü من التكئات التي تستند عليها الحكومة لتبرير فشلها في استقطاب مستثمرين واستثمار يكافئ موارد البلاد وفرصها الكبيرة في التنمية والنهضة هو مشاكل قوانين الأراضي، وهي تكئة وذريعة تدخل في حيز «العذر الأقبح من الذنب»، فالحكومة كما نعلم ويعلم الجميع تحوز على أكثر من 90% من أراضي السودان، التي كانت مليون ميل مربع، فقدنا نحو ثلثها بانفصال الجنوب، والنسبة محفوظة كذلك في «السودان الفضل»، أما العشرة في المائة الباقية- تزيد أو تنقص قليلاً- فهي ملك للمواطنين بالملك الحر أو الحكر أو الحيازة، وهي غالباً وبالضرورة ما تكون في مواقع الاستثمار الأسهل، فالناس بطبعهم يسكنون ويعملون قرب الموارد السهلة للإنتاج والحياة، وإذا ما كانت الحكومة أو المستثمرون يريدون أن يفيدوا من تلك الموارد، فلم لا تعمل الحكومة بمنظور يجعل من أهل تلك المضارب والموارد جزءً من العملية الاستثمارية، بحيث يكونون هم أول من يستفيد من تلك الاستثمارات، وبذلك يتحقق الغرض الرئيس والنبيل من التنمية، تنمية «تستهدف الإنسان». لكن مشكلة الحكومة ومشكلة كثير من المستثمرين تكمن في إغفال ذلك الهدف النبيل والميسر للاستثمار ذاته، بالإصرار على مشروعات تدر الربح لها وللمستثمر وتُقصى الإنسان من أرضه وموطنه الطبيعي لقاء تعويضات وتسويات لا تسمن ولا تغني من جوع، بل تلجأ أحياناً لاستخدام ا لقوة في سبيل تنفيذ مشروعات تسلب الإنسان حقه المكتسب، فتقع المشكلة وتتفجر النزاعات وتتعطل المشروعات.