نصت اتفاقية السلام الشامل ودستور السودان لعام 2005م على إجراء انتخابات دورية في السودان تجرى كل «5» سنوات، تشرف على إجرائها المفوضية القومية للانتخابات وبدأت التجربة بانتخابات أبريل 2010م بعد أكثر من 20 عاماً لم يشهد فيها السودان ردود أفعال واسعة في الرؤى حولها. ونص دستور السودان على أن تكون المفوضية دائمة وأن يكون أجل الأعضاء «6» سنوات قابلة للتجديد، وبعد انفصال جنوب السودان أصبح عدد الأعضاء «6» يترأسهم بروفيسور عبد الله أحمد عبد الله الذي جلست إليه «آخر لحظة» في حوار خاص حول عمل المفوضية بعد الانتخابات السابقة واستفادتها من التجربة السابقة في الإرتقاء بالعملية القادمة في العام 2015م، وطرحت على منضدته عدداً من الأسئلة أجاب عليها بكل ثقة، فإلى مضابط الحوار: بداية بروفيسور عبد الله ماذا تفعل المفوضية القومية للانتخابات بعد إجراء انتخابات أبريل 2010م؟ - بعد الانتخابات الأخيرة شرعت المفوضية مباشرة في الدراسة والفحص في مجريات تلك الانتخابات حتى تستبين من خلال هذه الدراسة مواطن القصور لتتلافاها في المستقبل، ومواطن القوة حتى يتم تعزيزها والإرتقاء بها إلى درجات أعلى من التجويد، ونظرت المفوضية بعين فاحصة في مجمل العملية الانتخابية التي جرت في العام 2010م، ومن خلال ذلك تبين لها أولاً لابد من وضع إستراتيجية لها تكون عبارة عن خارطة طريق لبناء المفوضية وتعزيز قدراتها لإدارة أفضل الانتخابات أو الاستفتاءات القادمة إن شاء الله، ولذلك أول ما انشغلت به المفوضية بعد الانتخابات إعداد إستراتيجية تعالج بها مواطن القصور السابقة وتمضي من خلالها للمستقبل، وأول ما تبين لها أنها لم تكن لديها هيكلة، فكانت الأمانة العامة والمفوضية انشغلنا بالترتيب للعملية الانتخابية نسبة لضيق الوقت المحدد لإجرائها، ولذلك لم تكن هناك أمانة عامة تشتمل على كل التخصصات والخبرات، والمفوضية نفسها كانت جديدة التكوين ولم ترث أدبيات أو تجارب من انتخابات سابقة ومماثلة، حيث كانت آخر انتخابات تعددية في عام 1986 أي قبل 20 عاماً، ولذلك رأت المفوضية أن تعد هيكلة للأمانة العامة تتشكل من المفوضية في مستواها الأعلى قسم السياسات والتخطيط والمتابعة، ومستواها الأدنى الذي يتمثل في الأمانة العامة التي تتكون من الأمين العام وعدد من الإدارات المتخصصة في العملية الانتخابية وأطوارها المختلفة.. وحتى تتمكن المفوضية من خلال هذه الهيكلة من وضع خططها ووضع الميزانية المناسبة للتشغيل والتخطيط وإجراء العمليات الانتخابية المطلوبة منها. هناك مطالبات بضرورة تعديل قانون الانتخابات، هل هناك ضرورة لإجراء هذه التعديلات وفقاً لوجهة نظركم كمفوضية؟ - نعم فلقد رأت المفوضية أن قانون الانتخابات لعام 2008م كان به كثير من التعقيد والتفصيل نتيجة لكيفية وضعه بمنافسات عديدة من الأحزاب، لذلك جاء بكثير من التعقيد والتفصيل الذي عرقل في بعض الأحيان مسار العملية الانتخابية، ولذلك نحن الآن نظرنا في هذا القانون وحددنا المواد التي كان من شأنها تعويق الانتخابات حتى نقترح على الدولة بعض التعديلات المطلوبة للقانون. وهل هذه المواد التي تحتاج لتعديل كثيرة؟ - لا.. ليست كثيرة ومن خلال دراسة قامت بها المفوضية حددت المواد التي نعتقد أنها لو عدلت ستكون في مصلحة إجراء وتنفيذ الانتخابات وتقلل من عقبات تنفيذ القانون وتمكن المفوضية من عمل القواعد والنظم. معلوم أن السجل الانتخابي لابد أن يكون في حالة تطور دائم، ماذا فعلتم تجاه تحديث السجل؟ - بالتأكيد فالسجل هو الأمر الثالث الذي تنظر فيه المفوضية، بعد الانتخابات السابقة بحثنا عيوب ومحاسن السجل ونعمل الآن على إعداد سجل أكثر تحديثاً وملائمة للتطوير، ففي هذه المجالات الثلاثة الهيكلة والقانون والسجل، عقدنا لكل منها ورشة عمل بالتعاون مع الاتحاد الأوربي وبعض الجهات المانحة، وخرجت تلك الورش بتوصيات أدرجت في الإستراتيجية لتكون محل التنفيذ، وأحب أن أضيف أن هناك أمراً رابعاً من اهتمامات المفوضية هو التدريب، وقامت المفوضية قبل أيام بتدريب الموظفين العاملين في إدارة الانتخابات بالتعاون مع الاتحاد الأوربي ومنظمة الهجرة الدولية، قام به خبراء أكفاء في هذا المجال، وكذلك تعمل المفوضية في مجال تحسين وتطوير تثقيف الناخبين، وكذلك تعمل على اكتساب التجارب الانتخابية الأخرى وخاصة في الدول الأفريقية، وقام أعضاء المفوضية بزيارات لبعض الدول مثل جنوب أفريقيا وغانا للوقوف على تجاربها في مجال الانتخابات، ورفع الوعي للعاملين بالمفوضية في مجال الانتخابات. ما هي العقبات التي تعترض عمل تطوير وتحديث السجل دكتور عبد الله؟ - ليست هناك عقبات فنية تعترض عملنا في تحديث السجل الانتخابي والعقبة الوحيدة التي نعاني منها هي عقبة التمويل، ولكن في الجوانب الفنية ليست هناك مشاكل سوى أن السودان واسع ومترامي الأطراف، بالإضافة إلى أن بعض المواطنين لا يملكون أوراقاً ثبوتية، ولدينا الآن مشروع لتطوير السجل لاستقطاب الدعم الخارجي بالاستعانة بخبير إجنبي، وأوصى ببعض التوصيات لتطوير السجل وتحسينه لأنه مطلوب قانونياً أن يحدث سنوياً، وشرعت المفوضية في العملية ولكن ما زالت العقبات المالية تعترض طريقهم. إلى أي مدى يمكن الاستفادة من السجل المدني في تحديث السجل الانتخابي؟ - نحن لسنا مرتبطين بالسجل المدني لأنه لم يكتمل حتى الآن، وليس لدينا ارتباط مباشر به ولكن فيما بعد ستكون هناك فرصة مواتية للاستفادة منه. يدور لقط حول حيادية قيادات المفوضية، إلى أي مدى أنتم واثقون من أنكم تعملون دون محاباة لأي جهة؟ - نحن واثقون ومتأكدون من أن القسم الذي أديناه والمعايير التي اخترنا بها تؤكد على الحيادية والشفافية والنزاهة، ونحن على قناعة كاملة ورضا تام من أنفسنا أننا قمنا بذلك في العملية الانتخابية السابقة التي كانت معقولة كثيراً، وكل الحديث الذي أشرت إليه كان في إطار السياسة والمنافسة والوضع السياسي المشحون في ذلك الوقت، بالإضافة إلى بعض الأحزاب غير الراغبة في الانتخابات وكانت المفوضية الحيطة القصيرة لهم ولكن أنا واثق بصفتي رئيس للمفوضية، أن أعضاءها يعملون بكل حيدة وشفافية. من خلال هذه الإستراتيجية التي وضعتها المفوضية، هل وضعتم ضوابط لتلافي التجاوزات والأخطاء السابقة؟ - نعم فهذه أول ما بدأنا بها بعد نهاية الانتخابات، فقد قمنا بمراجعة لها وخرجنا بأفكار وحددنا مواطن القصور وأخذناها وشكلناها في الإستراتيجية حتى لا تتكرر في المستقبل، والإستراتيجية توجهها مستقبلي أكثر من الرجوع للوراء ولكن تستفيد من التجارب الماضية لمجابهة التحديات المستقبلية، ولدينا رؤية كبيرة في المستقبل في أن نرتقي بعمل المفوضية في إجراء الانتخابات ونحن لدينا رسالة في إجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة، ولتنفيذها لابد لنا من مقدرات فنية ومالية وإدارية ومهنية وبعض من المقدرات السياسية ولكنها ليست كاملة، لأن العملية الانتخابية فنية ومهنية ولكنها تتفاعل مع الجانب السياسي لأنها عملية تنافسية وحزبية، وهنا يدخل العنصر السياسي. ما هي الخطوات التي قمتم بها لمجابهة عقبة التمويل؟ - قمنا بوضع الهيكل الإداري الذي يحتوي على القدرة البشرية الموجودة بالمفوضية، وأصبحت المفوضية مكونة من أمين عام وإدارات سيكون على رأس كل واحدة مدير عام، ومن خلال هذه الهيكلة وضعنا الميزانية وسنرفعها لرئاسة الجمهورية لاعتمادها من قبل وزارة المالية. وكما ذكرت لك أن العقبة المالية تواجهنا في عملية تحديث السجل الآن باعتباره مشروعاً كبيراً وتكلفته كبيرة لا تستطيع أن توفرها الحكومة وحدها. هل تتوقع أن يكون هناك دعم خارجي له؟ - محتمل، فبعد أن توضح الإستراتيجية لعمل المفوضية قد يكون هناك مجال للمانحين أن ينظروا إليها ويحددوا شكل الدعم الذي يمكن تقديمه للمفوضية، فهذا واحد من محاسن الإستراتيجية لأنها تضع المانحين بعمل المفوضية. هناك انتخابات تكميلية يفترض أن تقوم بها المفوضية، ماذا تم بشأنها؟ - الانتخابات التكميلية جارية في الدوائر، فهناك بعض الدوائر التي رأت المفوضية أن تؤجلها لأسباب معلومة، وهناك دوائر خلت بسبب الوفاة، بالإضافة إلى الدوائر التي أخليت بسبب انفصال الجنوب، فكل هذه الدوائر لا تتعدى أكثر من «20» دائرة، وقد أجرينا انتخابات في «5» دوائر والعملية الانتخابية التكميلية تسير بكل هدوء وليست هناك أي عقبات تعترضها. هل انفصال الجنوب يمكن أن يؤثر في تصميم الدوائر الجغرافية بالشمال؟ - طبعاً، فالدوائر الجغرافية قائمة على التقسيم الجغرافي فبعد انفصال الجنوب خرج بكل دوائره، والآن سننظر في الولايات الشمالية وهناك حديث عن ولايات جديدة في دارفور وننظر فيها حسب الوضع الجغرافي والسكاني الجديد بعد الانفصال، فهو متوقف على بعض التغيرات الإدارية والجغرافية. هناك مطالبات بانتخابات مبكرة إذا وافقت الحكومة على ذلك، فإلى أي مدى أنتم جاهزون لإجرائها؟ - كل ما ذكرته لك في البداية هو استعداد حتى لا نفاجأ بقرار، فنحن ليس لدينا قرار ولكن ما قمنا به استعداد وجاهزية لإجراء انتخابات، فنحن الآن جاهزون لأي انتخابات مبكرة ولا ندري إن كانت ستكون أم لا، ولكن نحن واعون لأي احتمال، وعلى ضوء ذلك نرتب لقدراتنا المطلوبة.