زارني قريب لي وهو شاب خريج جديد من كلية الهندسة، فقلت له ألف مبروك وعقبال الوظيفة.. قال والعرس إن شاء الله.. قلت تزوجوا فقراء يغنيكم الله. قال لي زميلة اخترتها واقتنعنا ببعضنا البعض وأني والله أريدها بسنة الله ورسوله، وأنا أعرف أني من شدة تعلقي بها لن أعيش بدونها أبداً.. قلت: تقدم لخطبتها قال: تقدمت فعلاً لوالدها الذي رفضني على الفور لأني صارحته بأني مهندس، وأني أسعى ليل نهار في طلب وظيفة، وأن ذلك يأخذ وقتاً، ولكني بدلاً الانتظار ولظروف أسرتي الملحة سقت ركشة أعمل بها صباح ومساء لأوفر مصروفي وكيس المعيشة لأهلي. لذلك رفضني باصرار.. وقال أزوج بنتي لسواق ركشة؟ قلت: هل الشغل عيب؟ أني والله ذو خلق وابن أسرة وشاب طموح، وأني أصلي صلاتي لوقتها ولا أقرب أي محرم أو مكروه. قلت: دعني أزوره مع وفد يصحبني لعلنا نقدر على إقناعه قال: حاولت كثيراً مع أعز أصدقائه ومعارفه، ولكنه مصر على رفضه، وكان يقول لهم دائماً أزوج بنتي لسواق ركشة!!. تعجبت.. وقلت له والله لا أرى أي عيب ولا شيئاً مخجلاً، فالركشة لعبت دوراً كبيراً في حل مشكلة المواصلات، وأسهمت في تخفيف المعاناة على المواطنين، وأرى من يسوقها من الشباب في منتهى التهذيب، اللهم لا أعيب عليهم إلا أعجابهم الشديد بهذا الفنان الشاب وترديد أغانيه بصوت عالٍ. قال لي: إني في ورطة شديدة وأحس بأني في منتهى الضياع،(لا ليلى ليل ولا نهاري نهار) أفكر كثيراً في خطيبتي، وأخاف أن أفقدها، وعلمت أن والدها يسعى لتزويجها لقريب له مغترب ليرتاح من اصراري الشديد. قلت المخرج بيد الله عز وجل، دعنا ندعو الله سوياً، وأوصيك بأن لا تيأس ولا تقنط من رحمة الله، وردد دائماً قوله الكريم(ليس لها من دون الله كاشفة) وقوله: (وأفوض أمري إلى الله أن الله بصير بالعباد)، وأعلم بأن قوله(فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم)، فإنها تعطف قلوب المعرضين، وأكثر من الاستغفار، والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم فإنها تورث المحبة.. أنصرف مني وكله ثقة بأن الله عز وجل سينصره في معركة الزواج.. لم تمر إلا أيام قليلة فزارني وقد توظف في إحدى كبريات شركات البترول، فقلت له مبروك ألف مبروك أذهب فوراً وأخطبها ثانية من والدها. فعندما قابلهم والد العروسة ورأى الحال قد تبدل ورأى سواق الركشة بزي فاخر وروح معنوية عالية، يحيط به مجموعة من أصحاب البدل الجديدة والكرفتات الزاهية زملاء العمل، وافق فوراً وبدون تردد، وتم الزواج بحفل يليق بوالد العروسة.. الآن يزورني العريس مصطحباً عروسه وهما في قمة السعادة.. وقال لي في المرة الأخيرة، إن والد العروسة دائماً يتباهى به أمام الناس ويفتخر بصهره، ويقول هذا مهندس طموح تصوروا أنه قبل توظيفه وبدلاً من أن يكون عاطلاً وعالة على أهله، اشتغل سواق ركشة.. في كفاح أكثر من كده؟. الحمدلله أخي القارئ على هذا المخرج خذه عبرة واتعظ واستفد منه.. (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً) سورة الطلاق الأية (2).