قالت بحرقة: إنني في نهائي طب وإن زملائي وزميلاتي يلقبوني بالمتعجرفة، قلت لما كل هذا التحامل عليك، قالت والله إني لست بمتعجرفة ولكن نشأة في أسرة متدينة وملتزمة جداً جداً وإني منذ وعيت لهذه الدنيا عاهدت نفسي ألاَّ أُغضب الله عز وجل ما حييت لا بالقول ولا بالفعل، كما إني إنسانة بسيطة جداً ولا أجرح مشاعر أي أحد. رسمت لي «حدود» معينة في الجامعة لا اتخطاها أبداً ولا أسمح لأي أحد باختراقها، رغم تعرضي لمضايقات وتعليقات لاذعة خاصة من أحد الزملاء مع الأسف أنه حاول جهده أن يتقرب مني ويرمي شباكه عليّ، كما هي عادة الكثير من الشباب، ولكني تحاشيته واجتهدت كثيراً لابعده عني، فقد علمتني والدتي منذ الصغر أن الحب مبدأه الزواج، فلأن الحب جد فالزواج غاية الجد، وخير طريق لذلك باب الأسرة وفي العلن. عندما تعبت منه قلت لنفسي المواجهة تحسم المعركة.. كانت له أخت زميلة أيضاً وهي ذات خلق عالٍ والحق يقال، قلت له إن لي أخاً معنا بالجامعة- وهو حقيقة ابن خالتي وتربينا معاً- وإني أثق واضمن أخلاقه وحسن نواياه، هو طلب مني أن أتوسط لديك لأنه يريد التعرف باختك بعلم منك حتى يمشي قدماً، إن كانت تتوافق معه في المفاهيم، حتى يبني الزواج على أسس صحيحة، ومباشرة قال لي بانفعال ظاهر قولي ليها لو يوم لقيتك مع الزول ده بقدد عيونك قدامو.. قلت سبحان الله كلكم الرجال على طبع واحد، مهما اختلفت أشكالكم أو أعماركم، أتدري هو علم بمحاولاتك المتكررة للتقرب مني، وكان ما قاله لي نفس ما قلته أنت لو شفتك واقفة مع الزول دا «بقدد عيونك قداموا». قال بانفعال شديد أنت إنسانة متفلسفة ومتعجرفة لا تصلحي حتى للكلام معك، ومنذ تلك اللحظة والكل يقول ويلقبني بالمتعجرفة سواء مباشرة أو عن طريق التلميح مثلاً «في ناس قايلة يا دنيا ما فيك إلا أنا» أو «ياخي انت بتتعجرف علينا مالك عمال زي ناس..» انا يا فضيلة الشيخ متألمة جداً وأحاول جاهدة أن أبرر سلوكي عكس ذلك، مع اني مقتنعة جداً وواثقة من نفسي إن ذلك اللقب هو محض افتراء وكذب. قلت لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، هكذا يا شباب وصلتوا الى هذا الدرك؟ المهم يا فضيلة الشيخ دلني على مخرج وأنا الآن طبيبة على وشك التخرج، ولا أريد أن تصحبني هذه الألقاب في مشوار الطب الذي يفترض أن أكون فيه من ملائكة الرحمة أقدم الإشفاق والمساعدة والأمل لمن هو في أمس الحاجة إليه. قلت إن الناس في كثير من الأحيان لا تظلم إلا المساكين، قوي صلتك بالله عز وجل، وقوي ثقتك بنفسك، وقولي دائماً «ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين فهزموهم بإذن الله» وكرري تلك الآية كثيراً وإن شاء الله لكي من دعوات مخلصات لله في أوقات السحر. مرت الأيام والأسابيع والشهور وفي مرة من المرات زرت مستشفى سوبا الجامعي لزيارة أحد الأقرباء، وعند دخولي للعنبر لفت انتباهي شابة ظننت أنها مريضة، وهي تقوم بجهد كبير في اعتناء برجل مسن أظنه تقيأ على فراشه، كما هو حال من تمكنت منه الملاريا، تعجبت وقلت في نفسي هل الحكومة عينت ممرضات أجنبيات لأن مثل هذه العناية لم اتعود على رؤيتها كثيراً، فقلت دعني اتبع ذلك الفضول وأرى إن كانت أجنبية أم سودانية، سبحان الله تفاجأت لما اقتربت ووجدت تلك الشابة ما هي إلا صاحبتنا المتعجرفة، فتعذرت مني من الأوساخ التي على يديها من مخلفات ذلك المريض، فسلمت علي بحرارة ونادت شاب ملتحي يا دكتور لو سمحت تعال وسلم على عمي الشيخ، فعانقني كما لو كان يعرفني وأعرفه، وقال لي أنا في الخدمة أنا زوج هذه الدكتورة، قلت ما شاء الله الطيبون للطيبات فلتهنأ بكم بلادنا وأهلها الطيبين. قالوا معاً نحن شاكرين افضالك علينا كثيرة ونحن في خدمتك في اي وقت، اعتبرنا أولادك نأتيك حالاً في البيت متى ما تطلبنا قلت مازحاً: انت والمتعجرفة؟ قالت نعم قلت: والله هي متلطفة وليس متعجرفة ورب ضارة نافعة، ويجب على جميع الأسر- تقديراً وإشادة بك- إن تسمي بناتها بالمتعجرفات، ليبتعد مهرولاً كل من تسول له نفسه الاستخفاف ببنات الأسر. الحمد لله على ذلك المخرج والى اللقاء في مخرج جديد.. قال تعالى «ومن يتق الله يجعل له مخرجاً».