مع احترامي وامتناني وعرفاني لدورها العظيم، فإني أقول إن القوات المسلحة لم تقم باغتيال د. خليل إبراهيم كما أنها لم تقم بأسر ياسر عرمان ولي في ذلك مصادر موثوقة لا يستطيع أحد كائناً من كان أن يكذبها. نبدأ بعرمان الذي تحدثت إحدى الصحف وعلى مدى يومين، عن تمكن القوات المسلحة من أسره مع آخرين ثم اتضح بعد ذلك أنهم (أحياء عند ربهم يرزقون) في الدنيا وليس في الآخرة، فرحين بناجتهم مهرولين نحو دولة مجاورة وعلى رأسهم السيد ياسر عرمان مرشح رئاسة الجمهورية تحت شعار (الأمل.. التغيير) ولكن غابت (النجمة) وطلعت علينا (الهجمة) لننعم بالديمقراطية والحرية التي تمكن أحدنا من حمل السلاح في وجه الوطن، ياسر عرمان الذي لم تحقق له الحركة الشعبية (أمله) في سودان علماني موحد يكون هو رئيسه!! ولم يستطع هو (تغيير) حكومة الإنقاذ، عاد لمهنته القديمة في التقتيل حين بدأها وهو طالب بجامعة القاهرة فرع الخرطوم كما يقال إنه قتل الطالبين (الأقرع وبلل) ثم هرب والتحق بحركة التمرد (أنانيا2) الحركة الشعبية لتحرير السودان. أما عن اغتيال خليل فإني أجزم وأقسم أنه لم يتم اغتياله حتى الآن، لأن خليل قتل، نعم قتل ولم يتم اغتياله كما جاء في معظم الصحف، وتناول ذلك كثير من الكتاب ولو كان الدكتور عبدالله الطيب رحمه الله وزيراً في هذه الحكومة لأمر برفع دعوى في مواجهة هذه الصحف التي اتهمت القوات المسلحة السودانية تهمة باطلة وقذرة. أيها الصحفيون الأحرار، أيها المصححون الأبرار، أيها المدققون الكبار أعلموا أنه شتان ما بين (قَتَل) و(اغتال)، جاء في (القاموس المحيط) اغتاله: سقاه سُماً أو صرفه عن الخير أو تناوله بلسانه، وجاء في (مقاييس اللغة) الفتك هو: الغدر، يقال فتك به: اغتاله، وجاء في (الصحاح في اللغة) الغيلة بالكسر الاغتيال، يقال: قتله غيلة، وهو أن يخدعه فيذهب به إلى موضع فإذا صار إليه قتله، ويقال أضرت الغيلة بولد فلان: إذا حملت أمه وهي ترضعه، وجاء في الحديث: (لقد هممت أن أنهي عغن الغيلة)، ويعني الغيلة التي تضر بالولد الرضيع، والغَيل بالفتح هو اللبن الذي ترضعه الحامل وليدها الذي لم يفطم بعد. والقتل يشمل في معناه الاغتيال، غير أن الاغتيال لا يشمل القتل لذلك يجوز أن نقول عن من اغتيل أنه قتل ولا يجوز أن نقول عن من قتل إنه اغتيل، وأما الإماته فتشمل القتل والاغتيال وتزيد عليهما معنى فيجوز أن نقول عمن قُتِلَ أو اغتيل إنه مات، وكذلك من فارق الحياة بغير علة أو سبب ظاهر تقول عنه: قد مات وهذا الأخير لا نقول عنه إنه قتل أو اغتيل إلا مجازاً كمن مات فجأة فنقول: فلان اغتالته الملاريا مثلاً أو الذبحة الصدرية أو نحو ذلك، ولا نقول (فلان اغتيل) ونصمت، وإذا عانى أحدهم من مرض زمناً طويلاً ثم مات به، يجوز مثلاً أن تقول: فلان قتلته الكُلى.. ولا نقول اغتالته الكُلى لأنه قاوم داء الكُلى زماناً سواء كانت المقاومة طبيعية أم علاجية، كما لا يجوز أيضاً أن نقول عمن قتلته الكُلى: (فلان قُتِل) ونصمت. أما في حالة الدكتور خليل فلا يجوز أن نقول: إنه اغتيل وإنما الصواب أن نقول: إنه قُتِل، لأن الأمر كان مواجهة أعلنها هو منذ العام 2003م ومارسها على الصعيد العسكري والسياسي والدبلوماسي والإعلامي والاقتصادي وهو يعلم أن القوات المسلحة إذا تمكنت منه قتلته، وإذا تمكن هو منها قتلها، فكيف تكون قد اغتالته؟! (جرعة) أولى: كتبت مرة مقالاً لإحدى الصحف وأوردت فيه بيتاً من رائعة صديق مدثر (ضنين الوعد) وكان البيت يقول: وافترقنا وبعينيّ المنى (غالها) الدمع فما أبصرت شيئاً فاستبدلت المطبعة سامحها الله- غين (غالها) قافاً، فأصبحت الكلمة (قالها)، وعندما قيل لي خطأ مطبعي قلت تباً للمطبعة الخائنة التي تنتظر حتى ينام (الجميعون) الذين يجمعون الأحرف، والمصححون والمدققون ثم تقوم بتبديل الأحرف على هواها، يا لها من سيدة سيئة الخلق لا تستحق أن تستودع هذه الأمانة العظيمة، ورغم أني أعلم أن المطبعة بريئة من هذه الأخطاء براءة المؤتمر الشعبي من دم خليل، إلا أني كلما طالعت صحفنا ازددت حنقاً على المطبعة!! (جرعة ) أخيرة: كنا مجموعة من السودانيين في أحد المطارات العربية اصطففنا لصلاة الفجر، ولأني أعلم أن الأخ/ الخير إبراهيم الفكي يحفظ القرآن عن ظهر قلب، فقد دفعت به ليصلي بنا وكان رجلاً متواضعاً تواضعاً لم يكن في محله صباح ذاك اليوم، إذ تأخر وقدم أخاً سودانياً آخر فخيماً مهندماً ملتحياً، أحرمنا للصلاة فلحق بنا مصلون آخرون من جنسيات مختلفة، فقرأ علينا إمامنا الفخيم: (اهدنا السرات المستغيم) بالغين المهجمة المفردة!! «اهدنا الصراط المستقيم»، وبهذه الطريقة قرأ فاتحة الكتاب وما فتح الله به عليه من الآيات، فكنت أسمعه يقرأ القرآن الكريم باللهجة العامية السودانية!! فذهب بخشوعنا وأدخلنا في أظافرنا، وبعد أن فرغ من الصلاة قامت مجموعة من الذين صلوا خلفه من الإخوة العرب الذين يبدوا من سَمْتِهم أنهم من الجماعات الإسلامية، قاموا فأعادوا صلاتهم، فقلت للأخ الخير: (أها عاد نبقى لي جنس الوجع دا؟)، فقال متأسفاً: (الشيخ بشتن علينا صلاتنا الله يسامحو)، فقلت له بحنق شديد (وانت برضو الله يسامحك)، فضحك وضحكت وشر البلية ما أضحك. وأخيراً اقترح قيام ورشة (قومية) للصحفيين والصحفيات، والمذيعين والمذيعات تمتد هذه الورشة لعشر سنوات، هدفها ليس التفريق بين قوات خليل والأسواق والفرقان، وإنما التفريق بين (الثاء والسين) و(الذال والزين) و(القاف والغين)، وأقول: كيف رأيتم مصادري في تكذيب خبر (اغتيال) خليل وما رأيكم في القاموس المحيط ولسان العرب وغيرها كمصادر، وإذا كذّبت بعض الصحف هذه المصادر وأصرت على أن خليل (أُغتيل) فهل أنتم معي أم تلك الصحف؟!.. لكم مطلق الحرية.