قطعت الكتابة الراتبة أنفاسي من أول (جكة).. وزادتني إنبهاراً بكل من يكتب عموداً يومياً منذ سنوات.. فالمسألة جد صعبة.. خصوصاً إذا كنت صاحب فكرة معينة في كتابة المقال.. وتبحث عن التجديد.. والأفكار المغايرة دحراً للملل.. وكسراً للرتابة.. فنحن شعب.. سريع الضجر.. عالي الثقافة.. شديد الذكاء.. لا نرضي إلا بجودة عالية.. فلابد أن نعاني.. ونبذل جهداً مضاعفاً لنرضي القارئ، وندفعه دفعاً لقراءة ما نكتب، فالحياة بإيقاعها السريع وكل ما فيها من نكبات لا تترك لنا مساحة كبيرة للإختيار.. من هنا أشكر كل القراء الأعزاء الذين طوقوني بجميل وفائهم.. ومراسلتهم.. ومساهماتهم.. وأعدهم بمواصلتهم وعرض رسائلهم.. تباعاً. أعود لأقول ماذا يريد القارئ من الكاتب..؟ إن إختلاف مشارب الناس وأهوائهم يجعل من الصعب إرضاء كل الأذواق.. البعض يريد سياسة.. وفيها يريد ما يوافق ميوله ولونه.. البعض يريد جرعات روحية تخفف من ضغط الحياة.. وتحلق به بعيداً عن زخم الأوجاع والأرزاء.. البعض يريد قضايا اجتماعية تعبر عن واقعه ومعايشته لأوضاع مفروضة.. ضاق ذراعاً وكلَّ كتفاً من حملها.. وآخرون يريدون فنون وقصص.. وأشياء معاشة.. رغم أن الكاتب يعرف كل ذلك، إلا أنه يتعامل بحذر خوفاً من فطنة القارئ.. (كصيدلي يخلط بمقدار مناسب خوف الإفراط أو النقصان..).. فإذا كتبنا بنفس عالٍ (تكون زيادة في الملح وقد تسبب ضغطاً عالياً.. إذا نقصنا الجرعة.. (هبوط في السكر..) زيادة في الدهون (كلسترول أوفر..)!. هل يريد القارئ.. طبيخاً على نار هادئة.. أم مفروك.. أم حاجة لايت خفيفة يعني مشهيات ولا طواجن مسبكة.. لقد احترت غاية الحيرة.. وأنا أبحث عن خط واحد حتى لا تتفرق السبل.. وكلما انتهجت نهجاً.. حدت عنه ليقيني أن الشعب السوداني جاد.. ومرح.. متدين.. واجتماعي.. بسيط.. وفاهم، وأهم من كل ذلك (ملول) يبحث عن التغيير والتجديد بلا تهريج أو إسفاف.. إن الشيء الوحيد الذي يدفعنا دوماً لتجويد الأداء، هو يقيني التام بأن آلاف القراء أكثر ثقافة وقدرة على الابداع والكتابة من الكاتب.. الفرق بيننا وبينهم.. إن ظروفنا جعلتنا كُتَّاباً وجعلتهم قراء.. زاوية أخيرة: أدركت أخيراً أن الشعب كله (يرغب في الخفيف.. المسلوق بشوية بهار..) لأن ضغطه مرتفع!! ü مسطول اشتغل في مستشفى للولادة، بعد فترة كتب تقريراً قال فيه.. (أثبتت الأبحاث والتجربة أن الحوامل أكثر عرضة للولادة).