أشعل بعض تجار السوق ناراً بفتنة بين الابن ووالده، فكبرت المسألة وتتطورت حتى دخلوا المحاكم.. كلنا نعلم أنك أنت ومالك لأبيك، هذه هي تعاليم الإسلام الخالدة، والموضوع عندما تدخلت للصلح أخبرني به الأب، أنه اقترض مبالغ مالية من ابنه الذي كان يدير عملاً يخصه، وكان الوالد يراغب تجارة ابنه من على البعد، ولم يعجبه تصرف ابنه في عدم حرصه على المال، وصرفه في غير محله، كما كان هذا دأبه هو، وانشأ عليه تجارته العريضة.. وعندما أحسَّ بالخوف من تصرفات ابنه، ابتدأ في استلاف المال منه حتى يجفف يديه من المال، وذلك ليجبره على الحفاظ على المال.. وبالتالي يكف عن الصرف بدون وعي، ولما تضايق الابن بدأ يطالب والده باسترداد الدين، وهنا تدخل البعض وبدأوا في إشعال نار الفتنة بين الابن والأب، منهم من يقول له اشتكي والدك عادي، رجِّع مالك.. والبعض يقول له في زول يخلي مالو هكذا، أبوك ما محتاج، ولما اشتد الغضب والخصام ذهب واشتكى والده لدى القاضي، وبدأت الجلسات وبدأ محامي الطرفين في رسم للمعارك، وكأنما هي معركة الدمازين التي انفجرت فيها الحكومة بضربة خاطفة.. وفي غمرة الغضب نسي الناس حقوق الوالدين، والقيم الدينية الحنيفة، والأخلاق السودانية، وهم (حلالين شِبَك وأخوان بنات) ونتباهى بذلك على مر الأزمان. تدخلت سريعاً عندما سمعت القصة، وكانت تربطني بالابن ومازالت صداقة قوية، قلت ما الموضوع حكى لي بالقصة، وأنه الآن على وشك كسب القضية، ورغم ذلك فإن ضميره يأنبه ويفكر في ترك المال، ولكن بعد كسب القضية، لأن ذلك أصبح حقاً من الحقوق، ولا يمكن ترك الموضوع بعدما علم كل ناس السوق.. لكن يا شيخنا سألتك بالله أن تسال الله المخرج من هذه المشكلة، لأنني لم أكن أظن يوماً من الأيام أقف في المحكمة ضد والدي. قلت: غداً بعد صلاة الظهر أزورك بالمكتب لعل الله عز وجل يلهمنا الصواب، ويوفقنا في حل هذه المشكلة. قلت ومعي بعض الأخوان قوموا بنا نصالحك مع الوالد الآن، وخير البر عاجله، ورضا الله في رضاء الوالدين، وقد كان الوالد مضيافاً ذبح لنا في الحال، وأصر على تناول الغداء،، وقال إنه والله لم يقصد بما فعله إلا الخير للولد، فهو ابني وأريده أن يمشي على نفس خطاي، تجارة نزيهة بدون غش ولا تلاعب.. تم الصلح في حضورنا وقبَّل الابن رأس والده طلباً للسماح والعفو، فعفى الوالد عنه وقال له: إني عافي منك واشهدوا على ذلك، والله خير الشاهدين.. بعد ذلك أشاد والده بي، وقال.. هؤلاء هم الرجال الذين أريدك أن تصحبهم، لأنك ستجدهم عوناً لك في دينك ودنياك. إنتهت القضايا والمحاكم، ولكن بعض التجار الذين يسعون للفتن بكل الطرق، وتشويه السمعة، كانوا يقولون (دا عوير كان حيكسب القضية، أسع أموالو ضاعت بسبب الصلح والعفو).. ولكن قدر الله كان سريعاً، فتوفى الوالد فجأة في أقل من عشرة أيام، ورغم الحزن إلا أننا حمدنا الله كثيراً على العفو الذي تم، وعلم الناس بخبر الوفاة وقالوا الحمدلله الذي أنعمم عليه بنعمة عفو الوالد، أما المال تلقائياً عاد للابن وعادت له قيادة الأسرة، وقد التزم بنهج الوالد تجار زمان. الحمدلله الذي الهمنا واتم لنا مخرجاً جميلاً لهذه المشكلة، التي كانت آثارها ربما تمتد إلى الأجيال القادمة. قال تعالى :(ومن يتق الله يجعل له مخرجاً) سورة الطلاق الآية (2)