إن إنشاء أسرة مستقلة مادياً واجتماعياً، وبحياة زوجية طابعها الرباط المقدس، هي النواة المكوّنة للمجتمع، ومتى كانت الأسرة متماسكة ومحافظة على القيم، وتقوم بأدوارها بشكل طبيعي وسليم، انعكس ذلك على المجتمع وسلامة بنيانه، فينشأ ما يعرف بتفهم وتقدير مسئولية كل من الفرد والأسرة نحو بعضهما ونحو المجتمع، والعكس صحيح، فتفكك الأسرة يعني مجتمعاً معوقاً يحتاج الى علاج، وبالتالي تتوقَف مسيرة التنمية والبناء، وهو مايعني انهيار الدول، فالأسرة كما هو معروف كبيرها وصغيرها عبارة عن مؤسسة لها وجود وكيان إداري، له أهداف وخطط مُشتركة، وتتكامل في كل شئ، تبدأ بالإدارة المنزلية بين الأم والأب والأبناء، وهم الأفراد الذين يقطنون في المنزل، بما لديهم من موارد بشرية وغير بشرية، والسؤال كيف تُدار البيوت إدارة ناجحة لتحقيق الانتفاع بمواردها وإشباع حاجاتها وتحقيق أهدافها؟ إذاً الأمر الذي نحن بصدد الحديث عنه يعتبر من أهم وسائل تسيير دفّة الحياة، وتكيف الفرد مع بيئته، بل من أهم وسائل نموه وتقدمه وتحقيقه الرفاهية التي يسعى إليها، وبهذا تكون إدارة المنزل وسيلة وليست غاية، خاصة إذا علمنا أن الأسرة هي تلك المؤسسة المهمة، والتي ما زالت تعد أهم المؤسسات في المجتمع، وتمثل الإدارة المالية للأسرة العمود الفقري من حيث ضبط الميزانية وتحديدها، وعدم زيادتها خلال اليوم والاسبوع والشهر، والهدف من كل ذلك هو تقليل الصرف عن كل شهر، وتثبيت التوازن في النفقة، مع وضع تصور لإدارة المال في الأسر بحسبان مقدار الدخل، وتناسبه مع عدد أفراد الأسرة، ونوع العمل الذي يمارسه رب الأسرة، وهل الزوجة تعمل أم لا؟ وأين يذهب دخلها؟ فهذه عوامل تتفاعل وتتداخل لتحدد أبواب الصرف، وعند وضع أية خطة منزلية لابد من مشاركة جميع أفراد الأسرة أو معظمهم على الأقل، وذلك لأن المشاركة في التخطيط غالباً ما تساعد على إنجاح إدارة البيوت، وتضع الجميع في موضع المسئولية، وتطور مهاراتهم سيما في حالة الأزمات، والتي يكون فيها التراضي والتفاهم مطلوباً، ولا يمكن الاستغناء عنه لمواجهة الأزمة. وإذا تناولنا الادخار بإعتباره صمام الأمان للأسرة والعاصم بعد الله عز وجل في كثير من الأزمات، فله عدة فوائد مهمة وجوهرية لا يتسع المجال هنا لذكرها، ولكن يكون الادخار مهمًا في حالة الظروف غير العادية أو الطوارئ غير المتوقعة، كسفر وعلاج ونحوه. ونلفت النظر الى أن المشاكل التي يعاني منها المسلمون عمومًا، أولاها.. تتمثل في أن الوقت والجهد المبذول في التخطيط، أقل بكثير من الحجم المنوط بالآباء والأمهات في التخطيط وتنفيذ الأدوار الواجب عليهم أداؤها تجاه بيوتهم وأسرهم، مما قد يسفر عن بعض العقبات التي يمكن تلافيها ببذل بعض الوقت في التخطيط. و ثانيها.. هناك ثوابت شرعية في مسألة ضبط الصرف يمكن لكل أسرة الانطلاق منها وكمثال الآية: ( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً وأرزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولاً معروفًا).. فمعنى الآية كما قال أهل التفسير: لا تعطوا الصغار والنساء، فقد قال الإمام الطبري في تفسيرها: قال عامة أهل التأويل: هم النساء والصبيان لضعف آرائهم وقلة معرفتهم بمواضع المصالح والمضار التي تصرف إليها الأموال. قال عبدُالله بنُ عُمَرَ، وجماعةٌ من التابعين: السُّفَهاءُ: النِّسَاءُ، والصِّبْيَانُ، وإنما قالوا ذلك لأن السَّفَه في هؤلاء أكثر، والسَّفَهُ: الجهلُ، وأصلُه: الخِفَّةُ، يقال: ثوبٌ سَفِيهٌ إذا كان خَفيفاً، وقيل للفاسق: سفيه، لأنه لا قَدْرَ له عند المؤمنين، وهو خفيفٌ في أعينهم، هَيِّنٌ عليهم، والمعنى: ولا تؤتوا السفهاء فوق ما يحتاجون إليه فَيُفْسِدُوْهُ، والدليلُ على هذا قوله بَعْدُ: (وَ- رْزُقُوهُمْ فِيهَا وَ-كْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً) أي عَلِّمُوهُمْ أَمْرَ دِيِنِهمْ، فالنساء والأطفال يتصرفون في المال بعكس ما يطلبه الراشدون من نظر في الأولويات، وقال قتادة: أمر الله بهذا المال أن يخزن فتحسن خزانته، ولا تملكه المرأة السفيهة والغلام السفيه، ولا ريب أن الزوجة تدخل في هذا المعنى المراد من الآية، قال مجاهد: نهى الرجال أن يعطوا النساء أموالهم، وهن سفهاء كن أزواجاً أو أمهات أو بنات، والآية تشمل أيضاً الرجال الذين لا يحسنون التصرف في الأموال، والمراد بسفاهة النساء والأطفال هنا: عدم حسن تدبيرهم للمال، كما ذكر ذلك الطبري، لكن على الرجل الإنفاق على الزوجة والأولاد بما يكفيهم بالمعروف، قال ابن عباس: لا تعمد إلى مالك وما خولك الله وجعله لك معيشة، فتعطيه امرأتك أو بنيك ثم تنظر إلى ما في أيديهم، ولكن أمسك مالك وأصلحه، وكن أنت الذي تنفق عليهم من كسوتهم ومؤونتهم ورزقهم - انتهى. ولعل القارئ والقارئة يوافقان على أن الأجيال السابقة من الآباء والأجداد بالرغم من تواضع تعليمهم ومحدودية اطلاعهم على تجارب الأمم الأخرى في الحياة، إلاّ أنهم نجحوا في إدارة حياتهم الخاصة، لإعتمادهم على تطبيق تلك القواعد الشرعية، ولعله مما يدخل في إطار المسائل الشرعية الحساسة التي نتجاهلها بقصد أو بغير قصد، هي مسألة السهر لما بعد صلاة العشاء، والذي يُعد مخالفة صريحة لما جاءت به السنة المطهرة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام . ما أردت الوصول اليه هو أن يراجع كل منّا نفسه ويواجه حقيقة مسؤولياته في إدارة أسرته، وأن يتعرّف على أوجه القصور والخلل، ويبادر الى إصلاحه، حتي يمتلئ المنزل بالمشاعر والدفء، وعلى الرجل أن يلتفت إلى مسئولياته الجسيمة والعظيمة، وألاَّ يترك مسئولية المنزل كي تقوده المرأة، على أساس أنه ليس لديه عمل يؤديه داخل المنزل، مع أنني لا أود أن أشكك في دور المرأة داخل المنزل، بقدر ما أحاول القول إن هناك تكامل بين دور المرأة والرجل فيها، ولذلك تجدني لا أوافق على فكرة تكليف الزوجة بمسئولية الميزانية المنزلية، بحيث تعطيها مصروف المنزل، وتكون هي المسئولة عن المال والمشتريات وأنت أيها الزوج مجرد مساعد.والرؤية واضحة الآن من أن نجعل إدارة البيت مالياً وأقتصادياً وأجتماعياً على أسس ونهج الشريعة، خاصة وأنها المسئول الأكبر والأخطر لإرساء دعائم التنمية البشرية للأفراد داخل الأسرة، مما يتيح فرصًا أكبر لمراكز التنمية والتدريب، بضرورة الاهتمام بالدورات المختلفة في مجال الأعمال المساهمة في زيادة الدخل، والترقي وتحسين المستوى المعيشي، لضمان الاستمرار والاستقرار. من هذه الرؤية فقط نستطيع تطوير نظرتنا لقضايا المنزل، أو بمعنى آخر رؤيتنا للتحكم في قيادة منازلنا لتكريس وتفعيل دور الأسرة والعائلة في البناء والتنمية البشرية، حتي لو تطلب ذلك تدريباً وتعليماً، لإعادة صياغة العادات القديمة، لكي يستطيع المجتمع البدء من جديد في النظر للأسرة والأهتمام بها، فبذلك نحصل على كفاءات مؤهلة تتميز بالإبداع والتفكير الخلاق، وتعمل بإخلاص ليتغير حال المجتمع للأفضل بلا شك، وألاَّ يكون مهمشاً أو ذا أدوار ثانوية، بل هو مجتمع ديناميكي متحرك ينبض بالحياة والانتاج. روي أن السيدة فاطمة تقوم على خدمة زوجها علي- رضي الله عنهما-ورعاية شئون البيت، ولما كثرت عليها أعباء الحياة الزوجية، رغبت في خادمة تساعدها، وكان علي فقيرًا لا يقوى على شراء خادم أو استئجاره، فسأل علي النبي صلى الله عليه وسلم أن يمنحهما خادمًا، فأرشدهما إلى خير زاد فقال صلى الله عليه وسلم:(ألا أخبركما بخير مما سألتماني؟)فقالا: بلى يا رسول الله، قال صلى الله عليه وسلم:(كلمات علمنيهن جبريل: تسبحان دبر كل صلاة عشرًا، وتحمدان عشرًا، وتكبران عشرًا، وإذا آويتما إلى فراشكما: تسبحان ثلاثًا وثلاثين، وتحمدان ثلاثًا وثلاثين، وتكبران ثلاثًا وثلاثين) متفق عليه.