أتابع وأقرأ هذه الأيام ما يثيره ويكتبه المهتمون بالشأن العام حول القضية، الوطنية الكبرى في البلاد وهي أمر الوحدة ولا أقول الانفصال لأقلية مناصريه وضعف منطقهم وبالرغم من أنها القضية التي تشغل الرأي العام كله والدولة على كل مستوياتها في الشمال والجنوب وهي تستحق جدا، إلا أنني استميح القراء عذراً لأخرج بهم إلى الولاية الشمالية، هذه الولاية التي أعطت كثيراًً وعلى مر التاريخ لكل أهل السودان إلا أنها ظلت تعاني التردي في كل المجالات الاقتصادية التي اعتمدت حكوماتها المتعاقبة على الزراعة فقط كمصدر اقتصادي أوحد، عندما كان له بريقه وأثره الإيجابي لبساطة متطلبات الحياة وقتها وقبل أن تتعثر مدخلاتها ويتدنى إنتاجها وعائدها فتصبح بعد أن استمرت تراثاً يتغنى به أهل الشمال ويتكسبون منها. أصبحت مهنة طاردة لا يزاولها إلا من تقطعت به السبل.. تبع ذلك التدني الاقتصادي تدنياً في الخدمات الصحية والتعليمية وأصبح أهلها يتجهون بمرضاهم وأبنائهم للتعليم وخاصة العالي منه، للخرطوم والمدن الأخرى وانشغلنا عن كل ذلك في السنين الأخيرة ب«ساس يسوس».. (وشيلني وأشيلك)، وأصبحت اهتماماتنا كلها تتركز في المواقع والتكوينات ومن يأتي ومن يذهب ومن معنا ومن ضدنا ومن الذي نعتبره من المؤلفة قلوبهم أو من يجلس على بساط الرصيف محتاراً يراقب الأحداث والمؤسف أن ابناء الولاية الشمالية ينتشرون في كل ربوع السودان ينثرون الخير على كل أهله أينما حلوا.. وهنا أذكر مقولة للأخ رئيس الجمهورية عندما التقيناه بوفد كبير من أهل الشمالية، في بيت الضيافة بحضور المرحوم مجذوب الخليفة، قبل سنوات، حيث قال: «نحن نقدرلأبناء الشمالية أنهم سواعدنا القوية، وهم يتولون معنا أعقد الملفات في المجالات المختلفة ويبلون فيها بلاءاً حسناً مما يحتم علينا رد الجميل لأهلهم قريباً إن شاء الله». وها نحن نرى الآن سد مروي يقوم ويوفر الطاقة الكهربائية للشمالية وكل السودان وشبكة الطرق تمتد من الخرطوم وحتى وادي حلفا وتقوم الكباري التي تربط شرق الولاية بغربها ونرى مطارين دوليين في دنقلا ومروي. ولكن تظل كل هذه البنيات الهامة وسائل وليست غايات، وسائل يجب أن يتوفر على منتوجها رجالٌ ذو همة وتطلع وأصحاب أفكار علمية تصنع البرامج وترتب الخطط الموضوعية في جميع المجالات الاقتصادية والخدمية والاجتماعية وفي كل مستويات الحكم في الولاية وتسعى لتوفير المال اللازم لتجعل من هذه البنيات مؤثراً سريعاً لتغيير واقع الحال في الولاية، وألا تظل لمجرد الاشارات والتظاهرات السياسية، ولكن هنا استدرك وأقول ان الاختيارات التي جاء بها الأخ والي الشمالية والأجهزة التي ساعدته على ذلك هذه المرة من الوزراء في حكومة الولاية الجديدة. وبحكم معرفتي السابقة لبعضهم وما سعيت لمعرفته عن الأخرين تطمئننا أن أغلبهم يتمتعون بصفة التخصص في مجالاتهم أكاديمياً وتجارباً، فقط نحن نطلب منهم أن يتفرغوا لأعمالهم الوزارية وأن ينأوا بأنفسهم عن مزالق السياسة وأن يجعلوا من حكومة الولاية الشمالية حكومة لجميع أهلها بمختلف إنتماتهم السياسية أو العرقية.. لاسيما وأن أهل الولاية هم الذين جاءوا بهم من خلال انتخاب واليهم وأن يتركوا السياسة بعيداً لأهلها ومتخصصيها كما أتمنى ألا يشغلهم الساسة ببرامجهم الخاصة وألا يجعلوا مكاتبهم مكاناً للقاءاتهم واجتماعاتهم وأن يتواضع الساسة في جميع مؤسساتهم سياسيةً أو تشريعية أو في تنظيماتهم الفئوية والاجتماعية ليتفقوا على أن يعينوا هذه الحكومة باعطائها الوقت الكافي للتفكير والتنفيذ وان يعينوها بالقرارات السياسية السديدة وبالتشريعات والقوانين الرصينة وأن يتعاونوا معها ويشكلوا لها رأس الرمح في توفير الميزانيات للمشروعات المختلفة من المركز ومن الجهات المانحة واستجلاب المستثمرين والساسة قبل غيرهم يعلمون شح الموارد في الولاية الشمالية. فلنستثمر كل الوقت في الفترة المتاحة لهذه الحكومة، استثماراً موضوعياً ولنخرج جميعنا حكومة ومؤسسات ومواطنين، عن تقليدية الأداء وألا ننتظر المن والسلوى دون أن نشحذ هممنا جميعاً لبعث واقع جديد طال انتظار أهلنا له. والله ولي التوفيق..