ü من فصول الكتاب المهمة، هو ذلك الفصل الثالث حول «انطلاق الإخوان المسلمين من مصر الى الخارج» وهي الانطلاقة التي بدأت بعد قليل من تأسيس الجماعة، والتي بدأت حسب طموح المرشد العام البنا بأن يكون لدعوته امتدادات في بلاد مسلمة أخرى، بدءاً من البلاد الأقرب لمصر جغرافياً والأوثق صلة بها ثقافياً، وهي بلاد المشرق العربي والسودان ثم بلاد الخليج، بما مهد لقيام ما يعرف ب«التنظيم الدولي» للأخوان المسلمين، بالرغم من تأكيد المؤلف أنه لم يحدث في أي وقت إن كانت هناك سياسة عامة ومواقف مشتركة لتنظيمات «الإخوان» ناهيك عن أن تكون موحدة، ربما باستثناء الموقف العام تجاه قضية فلسطين، لأن المشتركات فيه جمعت الكثير من القوى والتيارات الفكرية والسياسية، وليس فقط تنظيمات «الإخوان».. وظل النمط العام للممارسة في هذا التنظيم الدولي هو الاستماع الى تقارير عن أوضاع التنظيمات القطرية وتوجيه النُصح الى تنظيم أو آخر، وتقديم مساعدات لتنظيمات أقل قدرة من غيرها. ü وتشير الروايات المتطابقة الى أن قيادة «الأخوان» اتجهت أول ما اتجهت خارج مصر الى الأردن وفقاً لرواية المراقب العام السابق للجماعة في الاردن عبد الرحمن خليفة، وكان أبرز من قاموا بزيارة الأردن لهذا الغرض عبد الحكيم عابدين، صهر الامام حسن البنا، وهو الذي قام بالدور الرئيسي في وضع ركيزة التنظيم في شرق الاردن، عندما كان لا يزال في بدايته في النصف الثاني من ثلاثينيات القرن الماضي، كما شملت تلك الزيارات، التي اشترك فيها الى جانب عابدين محمد أسعد الحكيم فلسطين، لكن سعيد رمضان زوج ابنة البنا كان له الدور الأكبر في تأسيس التنظيم الفلسطيني.. كما أن الأمير عبد الله بن الحسين ملك الاردن قد اتاح للإخوان مجالاً واسعاً للعمل الدعوي واعتاد أن يستقبل زعماء الإخوان وأن يحضر احتفالاتهم الدينية، ووصل اهتمامه بدورهم حد أن عرض على عبد الحكيم عابدين الإقامة في الاردن، وتفيد روايات غير موثقة أن الأمير عرض عليه أيضاً رئاسة الحكومة، ولكنه اعتذر.. وقد مهد وجود الإخوان في فسلطين طريقهم للتغلغل في كل من سوريا ولبنان من خلال علاقاتهم مع كبار رجال الدين كالحاج أمين الحسيني (مفتي القدس). ü أما التمدد في جنوبالوادي، فقد كان أيضاً بفضل جهود عبد الحكيم عابدين، وكانت الزيارة التي قام بها الى الخرطوم في عام 1946 وصحبه فيها جمال الدين السنهوري هي نقطة التحول نحو تأطير العمل «الأخواني» في السودان، فبعدها بعامين قررت قيادة الأخوان في القاهرة تعيين علي طالب الله مراقباً عام لتنظيم السودان، غير أن المحنة التي تعرض لها «الأخوان» في مصر في ذلك الوقت، إثر قرار حكومة النقراشي بحلها، اربكت التنظيم الناشيء في السودان، فرفضت السلطات تسجيل الإخوان تحت هذا الاسم، مما دفع مقدميه الى إعادة الكرة مع تغيير الاسم الى حزب التحرير الاسلامي، دون أن تكون هناك اية علاقة مع «حزب التحرير» العالمي المعروف الذي بدأ نشأته من الأردن. ü وخصص المؤلف الفصلين الأخيرين من الكتاب لدراسة ومناقشة مستقبل حركة الإخوان المسلمين والاسلام السياسي على وجه العموم، من خلال مشروع طرحه «الاخوان» المصريون عام 2007 لبرنامج حزبهم الذي لم يقرروا تأسيسه بعد، والذي أثار جدلاً واسعاً، وهو أول برنامج يقدمه الإخوان منذ عام 1953، وتمحور الجدل حول ما حواه البرنامج المقترح عن طبيعة الدولة وقضية «المرجعية الدينية» المتمثلة في «هيئة كبار علماء الدين في الأمة» وذهب بعض الناقدين الى أن المرجعية الدينية التي حددها مشروع البرنامج لا تختلف في جوهرها عما هو معمول به في إيران في ظل مرجعية «ولاية الفقيه».. وعلى مدى الفصلين المتتاليين عن مستقبل الأخوان في ظل نظام ديموقراطي، ناقش المؤلف بشكل مكثف التناقضات الكامنة في التوجهات والمفاهيم السياسية للإخوان مع مفهوم الديموقراطية، الذي اعتبره عقدة تواجه نهج الاخوان وفكرهم، للانسجام الكامل مع مقتضيات الديموقراطية، خصوصاً في مصر، وما يتصل بعلاقة هذا الفكر مع الأقباط ومفهوم المواطنة وحرية المرأة وحقها في الوصول الى «الولاية العامة» والرئاسة، فالأخوان يستثنون الاقباط والمرأة من مثل هذا الحق، بالإضافة الى قضية المرجعية الدينية التي يلخصها د. وحيد عبد المجيد في قوله «فالمشكلة هنا هي في مدى أن دور الهيئة الدينية يتوقف على التيار الذي يمتلك النفوذ الأكبر في هذه الجماعة حال وصولها الى السلطة».. والمعضلة هنا كذلك هي أنه لا توجد دلالة واضحة لمفهوم المرجعية في الفكر السُنِّي، وقد رأينا المرجعية الشيعية في التطبيق سلطة دينية عليا تمتلك الحق في مراجعة كل ما يقوم به غيرها، بينما لا تسأل هي أو تُراجع.. فليست هناك صيغة أخرى معروفة للمرجعية التي يقول بها بعض «الأخوان» إنها لا تعني سلطة دينية وليس لديهم اجتهاد محدد يوضح كيفية تجسيد هذه المرجعية بطريقة لا تجعلها سلطة دينية مُتعالية.. والحال، أن مجرد وجود هيئة ما فوق المؤسسات الدستورية يؤدي الى دولة دينية، حتى إذا كان نظامها السياسي مكتمل الأركان من الناحية الاجرائية، وحتى إذا لم يكن أعضاء هذه الهيئة من رجال الدين، وينتهي الى القول: الى أن يتمكن «الأخوان المسلمون» من حل هذه العقدة المحورية، ستظل مواقفهم تجاه الديموقراطية متعثرة بالرغم من حرص قيادتهم على اتخاذ خطوات الى الأمام بشأنها منذ منتصف العقد الأخير من القرن الماضي.. وتظل مشكلتهم تكمن في العجز عن بلورة صيغة تُوًّفق ولا تُلفِّق بين سيادة الأمة التي تقوم عليها الدول الوطنية في هذا العصر، وسيادة الشريعة بالمعنى الموروث الذي أصابه الجمود لفترة طويلة، بسبب غياب الاجتهاد، وبسبب هذا العجز يؤكد عبد المجيد أن الجماعة تبدو «مرتبكة» بين سيادة الأمة وسيادة الشريعة، وبين الحكم للشعب والحاكمية لله، فتتقدم خطوة الى الأمام وتعود أخرى الى الوراء لأسباب أهمها إنها لم تعط اهتماماً يذكر للاجتهاد الذي تتطلبه معالجة مشكلة كبرى على هذا النحو.. وختاماً فهو ينصح «إخوان» مصر باتباع نهج حزب العدالة والتنمية في تركيا، باعتباره أكثر أحزاب الإسلام السياسي ديموقراطية.