قبل أيام مضت «توفي» الى رحمة الله مولاه ... جارٌ لنا وكان رجلاً «رقيق الحال» غني النفس... طيب القلب يتفقد الجيران بملابسه البسيطة النظيفة... تجده حاضراً في كل الملمات،رغم أن سكان الحي من الرجال كانوا نادراً ما يتفقدونه في المنزل الذي يعمل فيه خفيراً، ويسكن فيه مع أسرته، لم نسمع يوماً عنه إلا كل خير، هادئ، مسالم ...! مات فجأة «جاري العزيز» فاسرعت مهرولة دامعة «لأبكي أخلاق الرجال» الطيبة والقناعة،الأدب والمروءه.. وجدت المنزل بعد اقل من نصف ساعة مكتظاً بنساء «الحى» وعجبت جداً... حين خرج «الجثمان»الى مثواه الأخير .... ! ولم يتجاوز عدد مشيعيه العشرة- سبحان الله-! إن الناس في الدنيا مقامات، فوالله لو كان رجلاً من أهل السلطة والمال، لما وسعت الشوارع الناس، ولكن حسابات القبر والآخرة حسابات أخرى... فربما كان الجليل هنا حقير هناك والعكس...! قُتل حمزة بن عبد المطلب عم النبى «صلى الله عليه وسلم» في غزوة أحد بعد أن أغرت هند بنت عتبة قاتله «وحشي» بأساورها الذهبية إن هو قتله- وقد فعل-.! وحين تفقد النبي «صلى الله عليه وسلم»القتلى وجد عمه وقد مثل به، ومنظر الشهداء مريعاً فقال بن مسعود: مارأينا رسول الله «صلى الله عليه وسلم» باكياً قط أشد بكاء.. من بكائه على حمزة، وضعه على القبلة وشهق بالبكاء قال خبان: إن حمزة لم يوجد له كفن إلا بردة ملحاء إذا جعلت على رأسه قلصت على قدميه، وإذا جعلت على قدميه قلصت على رأسه حتى مدت على رأسه وجعل على قدمية الأذخر ...! وحين عاد الرسول «صلى الله عليه وسلم »الى المدينة وجد نساء الأنصار يندبن قتلاهن... ولم يجد من يبكي حمزة... فجلس حزيناً مردداً «ولكن حمزه ليس له بواكٍ» أشهدكم أنه سيد الشهداء ...! لا يهم ياجاري الكريم، إن بكاك الناس أو شيعوك.. فإننا نشهد لك بحسن الجوار ...! كنت في الدنيا كطيف عابر...لم يسمع لك صوت ...! لم تكن من أهل المال أو البروج المشيدة، تفترش الأرض وتلتحف السماء، وتفشي السلام، ولا تسيئ للأنام، كنت فقيراً مستعففاً.. وقد قال صلى الله عليه وسلم «أول من يدخل الجنة فقير مستعفف ذو عيال» زاوية أخيرة: جاء رجل الى النبى «صلى الله عليه وسلم» فقال يارسول الله إني رسول الفقراء اليك.. فقال «صلى الله عليه وسلم» بلغ عني الفقراء إن من صبر منكم واحتسب، فله ثلاثة خصال ليس للأغنياء منها شيء أما الأولى: فإن في الجنة غرفة من ياقوتة حمراء ينظر اليها أهل الجنة كما ينظر أهل الدنيا للنجوم، لايدخلها إلا الفقير.... والثانية: إن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام.. والثالثة: إذا قال الفقير سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر مخلصاً. وقال الغني مثله لم يلحقه الغني في الأجر.. فرجع الرجل إليهم فقالوا رضينا.. يارب!!