لم استطع تلبية دعوة الأخ والصديق الأستاذ يوسف عبد المنان للمشاركة في اجتماعات تلتئم هذه الأيام للنظر في أمر قانون الصحافة والمطبوعات والمقترحات الخاصة بتعديل القانون، من واقع المعايشة العملية والتجربة المكتسبة من المثول المتكرر أمام المحاكم، ولم يمنعني من المشاركة في تلك الاجتماعات إلا تداخل مواعيد انعقادها مع المحاكم، وهي اجتماعات تضم عدداً من الخبراء والقانونيين والصحفيين والكتّاب. قانون الصحافة المقترح ظل يشغل أذهان كل العاملين في بلاط صاحبة الجلالة، بدءاً من الناشرين وإنتهاء بجميع المحررين، وأخذت مناقشة الأمر حيّزاً كبيراً من وقتنا خلال وجودنا بالأراضي المقدسة لأداء العمرة - التي نسأل الله أن يتقبلها - وربما كان أكثر المنشغلين بذلك النقاش أستاذنا وأستاذ الأجيال البروفيسور على شمو، وصديقنا الصحفي الكبير الأستاذ النور أحمد النور، ليس من واقع خلفيته الصحفية والمهنية فقط، بل من واقع عمله وخلفيته النقابية وخبراته العملية في الاتحاد العام للصحافيين السودانيين، كما اهتم بالأمر أستاذنا الكبير فضل الله محمد الذي استند على خلفيته القانونية والصحفية والعملية، وكنت قد قدمت عدّة مقترحات آمل ألا تضيع هباء، وأن يهتم بها القائمون بأمر إعداد مقترحات التعديل، طالما أن الوقت لم يسعفنا في اللحاق بأي من الاجتماعات التي تنعقد عند الحادية عشر صباحاً وهو وقت (الشغل) في المحاكم، وقد درجت على أن أقول لزملائي عندما يسألونني (أين كنت؟) إنني كنت في (الشُغل) وأعني المحكمة. قلت لأستاذنا بروفيسور شمو إنه لا بد من الوصول إلى صيغة تمنع رفع شكوى ضد الصحيفة والصحفي لمجلس الصحافة وللنيابة في آن، إذ أن قاعدة العدالة تقتضي ألا تتم محاكمة متهم مرتين، ولا يهم ماهو شكل أو نوع المحاكمة، لأن نظر لجنة الشكاوي داخل المجلس لأية قضية هو محكمة (خاصة) ونظر محكمة الصحافة لأية قضية، هو محكمة (متخصصة)، لذلك لا بد من البحث عن صيغة تجنب الوقوف أمام محكمتين. وزدت على ذلك بأن تكون مسؤولية النشر هي مسؤولية الناشر أو المؤسسة أو الشركة التي تصدر الصحيفة، ليمثلها المستشار القانوني، وقد استندنا في ذلك على أن رئيس التحرير نفسه تختاره وتعينه الشركة الناشرة للصحيفة، وقد أمّن زميلنا الأستاذ النور أحمد النور على ذلك بأن اقترح أن تكون مسؤولية رئيس التحرير مسؤولية تقصيرية أي ألا يكون رئيس التحرير هو المتهم الأول الذي إن غاب عن جلسة ما، صدر في مواجهته أمر قبض، لو لا تفهم القضاة لظروف العاملين في هذه المهنة وارتباطات عملهم التي قد تضطر بعضهم للسفر المفاجيء. وهناك أمر آخر ومهم أضافه الأستاذ عادل حسن أحمد خشم الموس المستشار القانوني لصحيفة «آخر لحظة» عندما كنا نهم بالخروج من المحكمة، إذ قال لي يجب أن تطالبوا بأن تكون قضايا النشر مدنية لا جنائية، إلا في حالات السب والقذف والتشهير المقصود. أما آخر مقترح نأمل أن يتضمنه القانون الجديد، فهو أن يكون مجلس الصحافة والمطبوعات - من خلال لجانه المختصة - هو الجهة الوحيدة التي تنظر في الشكاوي، وأن يكون هو الجهة الوحيدة التي تحدد الدفع بالشكوى في اتجاه القضاء والمحاكم.. وقد أمن أستاذنا بروفيسور شمو على كثير مما ذهبنا إليه.. أقول قولي هذا وأمامي جلستان في المحكمة هذا الصباح، واستدعاء آخر إلى منصة الشهود في قضية ذات صلة بقضايا النشر.