طوال الأسبوع الذي مضى، وطوال هذا الأسبوع الذي أوشك أن يمضي، لم أتمكّن من المشاركة في أي نشاط عام أو لقاءات أو اجتماعات أو ندوات، ولا أحسب أنني سأتمكّن من ذلك إلا في أيام الجمع والسبت أو العُطلات الرسمية التي تتعطل فيها أعمال المحاكم.. والسبب في ذلك أن برنامج عملي يتطلب المثول اليومي أمام المحاكم بمختلف تخصصاتها متهماً أولاً في قضايا النشر المتعلقة بالصحيفة، لأن القانون ينص على أن رئيس التحرير هو المُتّهم الأول الواجب مثوله أمام المحاكم في كل قضايا النشر. القانون الذي أعنيه هو قانون الصحافة والمطبوعات الأخير، وفيه مادة تنص على ذلك باعتبار أن المسؤولية القانونية هي مسؤولية رئيس التحرير، ولست - بالقطع - المتضرر الوحيد من هذه المادة، إذ إن كل رؤساء تحرير الصحف يُعانون مما نعاني منه في هذا الخصوص بصورة شبه يومية إن لم تكن يومية.. لذلك يتغيّبون عن منابر الحوار ويسجّلون ذات الغياب في المؤتمرات واللقاءات المفتوحة أو المُغلقة، ويصبح لا وجود لهم داخل القاعات باستثناء قاعات المحاكم. ووفقاً لجدول المحاكم المختلفة فإن أمامي من الآن وحتى منتصف يناير المُقبل حضور يومي في ساحات القضاء متهماً أولاً.. وفي بعض الأيام أكون ماثلاً أمام أكثر من محكمة، أي اتنقّل من قفص الى قفص، وقد سخر من ذلك أستاذنا محجوب فضل بدري وقال لي إن الحيوان يظل في قفص واحد ولا يتم نقله لأكثر من قفص في اليوم الواحد. خاطبت عدداً من الزملاء الصحفيين ورؤساء التحرير، كما تحادثت مع عدد من القانونيين والمحامين ومع عدد من نواب البرلمان لطرح فكرة تغيير قانون الصحافة والمطبوعات، على أن نقوم بتكوين لجنة تجتمع بقيادات المجلس القومي للصحافة والمطبوعات وتسترشد برأيها ورأي المستشار القانوني بالمجلس الذي يمثل النائب العام لبحث سبل الخروج من هذه «الورطة» ورأينا أن نشرع في ذلك عقب الانتهاء من عملية استفتاء تقرير المصير وتداعياتها في يناير المُقبل، وأن ندفع بمقترح التغيير في القانون إلى البرلمان بعد ذلك لأن الذي يحدث الآن يتعارض بالضرورة مع حرية التعبير وحرية الرأي وحرية تدفق المعلومات. قاعدة الصحافة الذهبية تقول بأن الخبر مُقدّس والرأي حُر، وتؤكد دائماً على أن المقال أو العمود أو الزاوية الصحفية اليومية أو الأسبوعية أو الراتبة لا تُعبّر إلا عن رأي الكاتب لا رأي الصحيفة، ومع ذلك يظل رئيس التحرير هو المتهم الأول. كثير من الذين يتجهون الى ساحات القضاء يحملون الشكاوى ضد الصحف لا يمنحون أنفسهم حق النفي أو التصحيح، وكثير من الشكاوي يبت فيها المجلس القومي للصحافة والمطبوعات من خلال لجان الشكاوي، ومع ذلك يتّجه الشاكي مرة أخرى للقضاء ليجد الصحفي أنّه وصحيفته يتعرضان للمحاكمة مرتين في ذات القضية. إلى أن نحدث التغيير المطلوب في قانون الصحافة والمطبوعات وفق الطريقة التي أشرنا لها أجد نفسي اعتذر عن تلبية أية دعوة للمشاركة في أي منشط عام سياسي أو ثقافي أو فكري أو اجتماعي يتم نهاراً لأن ذلك مستحيل، وقد يعني صدور «أمر قبض» في مواجهة المُتهم - الذي هو العبد لله - لغيابه عن الجلسة.