طلباً للبركة: تعوّد أبناء وادي النيل على طلب البركات لنهر النيل، والذي فيه حياتهم ومستقبلهم، وكانوا قديماً يحتفلون بعيد النقطة، وهو الإحتفال بأول نقطة مطر تنزل على هضاب الحبشة، وكان الإعتقاد أنها دمعة الإلهة إيزيس إلهة الخصب والنماء، وفي بلاد النوبة كان أبناء جنوبالوادي وطن الذهب، يذهبون إلى معبد الإلهة إيزيس في جزيرة فيلة بأسوان ويأخذون تمثال الإلهة إيزيس، ويدورون في ربوع بلاد النوبة حتي تتبارك الأرض بهذه الإلهة العظيمة، وعندما دخلت المسيحية مصر كان أهل النوبة يزورون أسوان، ويأخذون بركة أسقف قديس كان فيها، وكانوا يأتون إلى الكنائس بمرضاهم طلباً للبركة ونعمة الشفاء، وبعد دخول المسيحية مصر صارت صلوات الكنيسة القبطية تشتمل على طلبات عديدة من أجل النيل، وصعود مياه النيل، وأرتفاعها كمقدارها خشية الشرق والغرق، وصارت طلبة أهوية السماء تنقسم إلى ثلاثة طلبات كل طلبة أربعة أشهر، موسم الأمطار، موسم الزروع والعشب، موسم أهوية السماء وثمرات الأرض، والكنيسة القبطية هي الكنيسة الوحيدة التي تصلي من أجل الماء، وشعرت بأهمية نهر النيل، كما أنها الكنيسة الوحيدة التي تصلي وتطلب مزاجاً حسناً للهواء، لأن الهواء طبعاً بمزاجه وله آثاره على الزراعة وعلى الماء. وأبناء وادي النيل لديهم خيال خصب، فهم عندما يزرعون الأرض يخشون من الطيور المسافرة، والتي يمكن أن تلتهم المحصول، وكان صاحب الأرض يقف وسط مزرعته ويحمل عصاه يهش الطير، ثم اخترع خيالهُ ما يسمي خيال المآتة، وهي خيال المقاتة، والمقاتة هي الخيار، وهو أن يلبسو البوص ملابس رجل كأنه واقف في وسط مزرعته، ويكون هذا سبباً ليس في طرد الطيور فقط، إنما الحيوانات التي تهجم من بعيد، التي عندما ترى هذا الخيال تغير طريقها، وبنفس المنطق تأتي قصة عروس النيل، يلبسون دمية ملابس عروسة ويرمونها في الماء، كما أن جبر الخليج كان يقتضي من الحاكم أن يغرق جزءاً من التراب ليمر الماء، وهذا الجزء يسمى العروسة لأنه لا يمكن لشعب متحضر أن يقدم ذبيحة آدمية لنهر النيل، وهو لم يعرف في حياته الذبائح الآدمية، إنما يقدم فقط من خرافه وأغنامه وعجوله، ومحصولات حقله. ولقد تغير عيد النقطة إلى عيد رئيس الملائكة ميخائيل، وجاء في كتب العرب أن هناك عيداً يسمى عيد الشهيد، يلقي الأقباط تابوتا فيه أصابع الشهيد، وعندما يلقونه في نهر النيل تحدث زيادة الماء، وكان هذا في اليوم الثامن من شهر بشنس. عيد الشهيد: ولم يذكر عيد الشهيد في النكسار، لا في 8 بشنس ولا في يوم آخر، وهذا يعني أن هذا العيد كان عيداً وطنياً أكثر منه عيداً كنيسياً، وقد جاء ذكر عيد الشهيد، في الجزء الثامن عشر من كتاب الخطط التوفيقية، صفحة 84-85:- وبيان ذلك:«أن النصاري كانت تزعم أن النيل لا يزيد في كل سنة إلا إذا عمل هذا العيد، وذلك أنهم كانوا يلقون في النيل تابوتاً من خشب فيه أصبع من أصابع أسلافهم الموتى في اليوم الثامن من شهر بشنس أحد الشهور القبطية، فتجتمع الناس إجتماعاً عاماً على شطوط النيل، وترحل النصارى من جميع القرى إلى ذلك المجمع، ويكون من أعظم الأعياد، فإنهم يخرجون فيه من العادة، ويركبون الخيول ويلعبون عليها، وتنصب الخيام على شطوط النيل وفي الجزائر، ويخرج في هذا اليوم جميع أرباب الخلاعة، وأهل الفساد، وتغص بهم الجزائر والشطوط، ويباع في هذا اليوم من الخمور ما لا يباع في غيره، بما ينيف على مائة ألف درهم فضة، أي خمسة آلاف دينار ذهباً، وكان إجتماع الناس لعيد الشهيد دائماً بناحية شبرا من ضواحي القاهرة، وكان أهالي شبرا يعدون لسداد الخراج ما يأخذونه من ثمن الخمور في هذا اليوم، وكان يقع فيه من الفتن والقتل والجهر بالمعاصي ما لا يقع في غيره. وأستمرت هذه العادة إلى زمن الملك الناصر محمد بن قلاوون، والقائم بتدبير دولته الأمير ركن الدين بيبرس، فأمر بإبطاله وأعلن أهل الأقاليم بذلك، فشق ذلك على القبط، وذلك في سنة أثنين وسبعمائة. واستمر بطلانه ستاً وثلاثين سنة، ثم عاد في سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة، ثم بطل هذا العيد ثانياً بسبب فتنة عظيمة وقعت بين المسلمين والنصارى، منشؤها إيقاف مبلغ من الأفدنة على الكنائس والديور، فهدم المسلمون كثيراً من الكنائس، وأخذوا التابوت الذي فيه الإصبع، وأحضر إلى الملك الصالح صالح بن محمد بن قلاوون، وأحرق بين يديه، وذُر رماده في البحر حتي لا تأخذه النصارى، وذلك في العاشر من شهر رجب في السنة المذكورة، فبطل عيد الشهيد من يومئذ ومن هذا العهد. وقد تفاوتت أنظار الأمم التي تعاقبت على ملك هذه الديار في إظهار الفرح والسرور وتعيين الطريقة التي يدخلون بها المسرة في قلوب رعيتهم شاكرين نعم الله داعين لذلك.