واليوم نحن في حضرة مولانا إدريس.. وله نهدي سلاماً ووداً وعتاباً.. بل له نقول ولماذا البكاء يا إدريس.. تالله إن هؤلاء لا يستحقون دمعة واحدة سالت من عيونك.. إنهم العنصريون بشهادة موثقة.. هم الذين يظنون أنفسهم من بطن قريش.. بل يتوهمون أنهم من بني هاشم ولا ندري إلى أين يقودون هذا الوطن الجريح المنكوب بهم.. ما زالت «سكينهم» يقطر منها دم الجنوب الأحمر القاني.. لا تقل لي إن الانفصال كان خيار الأحبة.. نعم الأحبة رغم أنف أي عنصري مقيت.. فقد كان الانفصال رداً غاضباً من تلك العنصرية وسيل الشتائم والسباب الذي كان ينهمر على الجنوبيين كوابل المطر.. ولماذا الدموع يا إدريس ولماذا التبرير أصلاً.. وأي خيانة تلك التي يتوهمها هؤلاء.. هل البحث عن السلام خيانة.. هل محاولة إبعاد شبح الحرب خيانة.. وهل حسن الجوار حتى مع الشيطان الرجيم خيانة.. وهل البحث عن مصالح الوطن خيانة.. ومن هم حتى يمتلكوا صكوك الغفران.. من هم حتى يوزعوا النياشين والأنواط وتلك التي تدفع الناس بالعمالة والخروج من الملة ولكن يبقى السؤال الأكثر إلحاحاً.. المحتشد دهشة الممتليء عجباً وهو من أين لهم.. بل من أين لمولانا الطيب مصطفى كل تلك الحصانة.. وكيف يكون فرداً أو حتى منبراً معادلاً للدولة بكامل سلطاتها وسلطانها.. ولماذا يفزع الرجل حتى الصقور في الإنقاذ.. وتتفرع الأسئلة.. ولا أحد يجيب.. ولكننا لأنفسنا نجيب.. ونقول واهم من ظن أنه فوق القانون.. وواهم أكثر من يعتقد أنه له في الوطن أكثر من غيره.. وواهم من يظن أن البلاد أصبحت حكراً خالصاً وملكاً مشاعاً لكل من لا تجري في دمائه دماء الزنوجة.. وثابت في الجغرافيا والتاريخ أن هذه الأرض وذاك العلم.. وحتى السلام الجمهوري ملك لكل سوداني تجري في دمائه دماء السودانية.. كلنا سواسية في هذا الوطن.. هو ملك الجميع.. ملك لكل أبناء وبنات دارفور.. ملك لكل قاطني الشرق وكردفان شمالها وجنوبها.. ملك لكل «الرطانة» وكل أبناء النوبة السفلى والعليا.. ملك لكل قبائل الأنقسنا وكل سكان النيل الأزرق.. فلتتوقف تلك الخيلاء والتعالي الطاؤوسي فلا فضل لأحد على أحد إلا بمقدار حبه وعطائه لهذا الوطن النبيل.. ويا له من وطن.. تغرد على رياضه العصافير وأيضاً ينعق على أشجاره البوم.. وسلمت يا حميد.. وأنت ترسم تماماً لوحة اليوم.. بل لوحة التو والساعة.. ما أروعك وأنت تنشر «كلنا للأرض والأرض لنا.. ولنا متسع حتى السماء.. فإلاما ولِمَ يغمر الأوطان طوفان الدماء.. يا أخا الأرض لمن هذه الحرب؟ ومن ذا الذي يشقى ومن يعشق الأوطان أطلال دمار ودمن؟.. إنه البوم الذي يعجبه ليل الخراب.. إنه الشؤم.. الذي ينجبه ويل الحراب.. هل أتى اليوم الذي تعقبه خيل الصحاب.. فيحط الغيم في أراضينا ويرتاح التراب.. هل أتى حين من الحلم على الإنسان يحيا مطمئناً للزمن.. تضع الحرب به أوزارها كرنفال السلم يجتاح مدى العالم إبداعاً وقمحاً.. والعصافير السلامية تبني دارها حباً وصدحاً.. يا ورود الدرب يا أحجارها ليلاً وصبحاً.. يا خطى العمال يا ايارها خباً وكدحاً.. لاتحاد الساعد الكوني مرحى.. لا خضروات الفتن.. لانغراز الأصبع الثوري في عين الدمار.. وارتفاع العلبة البنيان كوباً من لين.. لتجار الحرب تباً للخوازيق وتباً للبوار.. للسرايات في تيه الفتن.. للذي يبحر غرباً عن أماني الشعب تباً للبوار.. ادعياء الحرب كالحرب تماماً.. أولياء السلم لا خوف عليهم لا حزن.. وإذا مروا بهم قالوا سلاماً.. وإذا غم بهم نادوا وطن.. مولانا إدريس.. إن دموعك أغضبتنا.. أكثر من غضبنا على هؤلاء الذين لا يبهجهم غير طوابير النعوش.. ورائحة البارود والحنوط.. إنهم لا يستحقون دموعاً ولا حتى اعتذاراً.