من شعاب أبو روف ومن طوابي أم درمان وعند مداخل الحاج يوسف.. من الكلاكلة والصحافة من لون القمح ودفقة ماء النيل وسعف النخيل والساعد المشدود بتراب الجروف ودفء الشمس، خرجت ثورة شعب انتفاضة 6 أبريل التي أطاحت بحكم عسكري استمر لمدة 16 عاماً، وشهدت 6 أبريل آلام مخاض عسيرة استمرت من 26 مارس وحتى فجر 6 أبريل، حيث أعلن الجيش انحيازه للشعب وحسم الموقف لصالح الشعب والديمقراطية ولم يستطع جهاز أمن نميري الذي عرف عنه أنه من أقوى الأجهزة الأمنية في تاريخ السودان، إلا أن صمود الشعب السوداني كان أقوى ولم يستطع نميري دغدغة مشاعر السودانيين برسالته التي بعثها من واشنطن أثناء اندلاع الثورة. مع مركب التاريخ حاولنا أن نبحر مع الصحافة السودانية التي رصدت ذلك الحدث العظيم. كانت انتفاضة أبريل سبباً في خروج السجناء، حيث كسر الشعب سجن كوبر وأطلق سراح المسجونين عامة وكان ذلك في 8 أبريل بحسب ما ورد في صحيفة الصحافة، واستلم الشعب مشنقة السجن وهم يهتفون (الشعب ارتاح من السفاح)، (لا راية إلا رايتنا، ولا ولاء إلا لوطننا ولا انتماء إلا لسوداننا الواحد)، عبارات رددها الجيش السوداني في انحيازه إلى الانتفاضة وحسمها لصالح الشعب السوداني، فإلى ما ورد في الصحف في ذلك الزمن. - في 6 أبريل أعلنت جماهير الشعب السوداني رجالاً وأطفالاً ونساء عن رفضها للنظام البغيض الذي ظل جاثماً على صدر الشعب وأن هذه الثورة والانتفاضة أبريل الأغر قد بدأت شرارتها تشتعل منذ 26 مارس ورغم كل محاولات النظام الديكتاتوري أن يخمد نار الانتفاضة إلا أن الشعب السوداني ظل صامداً حتى جاء البيان الحاسم وأصبح الصبح والذي أكد انحياز الجيش للشعب وإجماع القوات المسلحة رسمياً تضامنها مع الشعب لإنهاء عهد الظلم والبطش وفتح عهد جديد «كما ذكرت صحيفة الصحافة الصادرة في تاريخ 7 أبريل». - بعد أحداث 26 مارس شهدت الخرطوم مسيرة هادرة خاطبها الرشيد الطاهر نائب الرئيس وبابكر علي التوم معتمد العاصمة وأبو القاسم محمد إبراهيم أمين منطقة الخرطوم، هم رجال نميري الذين حاولوا أن يخمدوا نار الانتفاضة، وذلك من خلال وصف الثوريين بالمخربين تارة وأنهم يعملون بأسماء نقابات وهمية تعمل على إحداث حالة من الفوضى والربكة والبلبلة تارة أخرى، وكذلك استخدم رجال مايو أسلوب الوعيد والتهديد حتى يمنعوا تكرار سيناريو الثلاثاء 26 مارس، وذلك بإعلان محاكمة ثورية لأفراد ما أطلقوا عليه وكر جامعة الخرطوم وهم 13 شخصاً، وأن تعرض أمام الرأي العام العالمي والمحلي المعدات التي استخدموها. - ونادى المايويون في صحيفة الأيام الصادرة في 1 أبريل بأن تنتقل جماهير الثورة من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم، وأن توظف أجهزة الإعلام لأجل خدمة أهداف ثورة مايو، كما أكدت مايو في تصريحها لصحيفة الأيام على الفاعلية والقدرة على الردع وأهمية تفادي الأخطاء التي مكنت الأخوان المسلمين من التخطيط والتدبير للانقضاض على مايو وإنجازاتها وأهدافها، والأمر الذي يؤكد أن الثورة ثورة شعب وذلك يتجلى واضحاً من خلال ما ذكرته صحيفة الأيام الصادرة في 1 أبريل على لسان المايويين الذين صرحوا بأنهم من الضروري أن يقوموا بإرسال برقية التماس بإعادة النظر في سعر الخبز وهم قادة مسيرة الردع، وأبرزهم مجذوب طلحة عبد الرحمن عباس، محمود الحاج، أبو بكر حبشي وجعفر كركساوي أعضاء الأمانة العامة للاتحاد الاشتراكي السوداني. والمحاولة الثانية لإطفاء غضب الأحزاب المعارضة تتجلى في عبارة محمد عثمان أبو ساق أمين لجنة المنظمات الذي خاطب الثوريين قائلاً: «إن مايو لا ترفض إبداء وجهات النظر المعارضة لكن الثورة ترفض العنف والتخريب». وخرجت في صحيفة الأيام بتاريخ 2 أبريل أسماء الثوريين الذين وصفتهم مايو بأصحاب (الوكر)، والذين تم اعتقالهم وهم عمر يوسف الدقير رئيس اتحاد جامعة الخرطوم، وناهد جبر الله سيد أحمد سكرتير عام الاتحاد، محمد سعيد محمد الطيب عضو المجلس الأربعيني، محمد إبراهيم محمد سكرتير الشؤون الخارجية، المنتصر أبو صالح عضو المجلس الأربعيني، علي الهادي أحمد كلية الفنون الجميلة، أحمد آدم أحمد دربين ثالثة آداب، علي الأمين محمد الحاج كلية الفنون، محمد صالح محمد نور رابعة علوم، قاسم محمد صالح ثالثة قانون، عبد الرحمن البشير علي ثالثة قانون، محمد الرشيد محمود شداد عضو المجلس الأربعيني ومحمد إسحق سادسة طب، وأشار البيان إلى أن الاعتقال شمل حتى الذين كانوا في طريقهم إلى الاجتماع بجامعة الخرطوم وهم صلاح حسن سكرتير نقابة فنيي الأشعة، وموسى عبد الله معلم بمعهد فني الأشعة، ونعمات أحمد مالك موسى السستر بوزارة الصحة وصديق الزيعلي، كما استطاعت قوات أمن مايو التي داهمت اجتماع جامعة الخرطوم، أن تضبط منشورات وبيانات باسم مساعدي التخدير بالسودان وثلاثة من نقابات الأطباء وبيان واحد من ضباط الشرطة و20 لافتة ضد الثورة باسم اتحاد جامعة الخرطوم. والرئيس جعفر نميري الذي كان في أمريكا أثناء اندلاع شرارة الانتفاضة في 3 أبريل، نشرت صحيفة الأيام له رسالة نصية بعث بها لاستمالة العواطف لثورة مايو مرة أخرى ونصها: (قال تعالى في محكم تنزيله: «ومن يتولَ الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون» صدق الله العظيم. الأخوة قادة العمل السياسي والوطني، المواطنون المناضلون الشرفاء.. يا أبناء وطني الأعزاء وجحافل مايو الأوفياء لكم تحية ثورتكم الظافرة والمنتصرة أبداً بإذن الله، وأنا هنا في واشنطن ظللت أتابع بالثقة واليقين تصديكم الشجاع وصمودكم الراكز لفلول الخيانة وواجهات العمالة التي تصاعد عداؤها حقداً على الشعب وثورته، فما لجؤهم للعنف وتدمير ممتلكات العامة والخاصة إلا دلالة الفشل والتردي، فقد باءت كل محاولاتهم للنيل من ثورتكم وإنجازاتكم بالفشل والفشل الذريع ورد الله كيدهم في نحورهم. عاشت رايات مايو عالية خفاقة ومنتصرة، وعاشت جماهير مايو وفية مخلصة ثابتة على المباديء، وعاش سوداننا ناهضاً وعزيزاً بثورته وشعبه، والخزي والعار والدمار لأعداء الوطن والشعب. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. جعفر محمد نميري رئيس الجمهورية ü وسقطت طغمة مايو وذهبت أجهزتها في 7 أبريل خرجت صحيفة الأيام بهذا (المانشيت) الذي يعلن نجاح الانتفاضة وانيهار ثورة مايو، ونشرت الصحيفة في صدر صفحاتها بيان القوات المسلحة: بسم العلي القدير وبسم جماهير الشعب السوداني وقواته المسلحة أصدر القرارات الآتية: أولاً: تعطيل الدستور وإعلان حالة الطواريء في جميع أنحاء الجمهورية وإغلاق الحدود والأجواء السودانية اعتباراً من اليوم 6 أبريل 1985. ثانياً: إعفاء رئيس الجمهورية ونوابه ومساعديه ومستشاريه ووزرائه المركزيين ووزراء الدولة. ثالثاً: حل الاتحاد الاشتراكي وجميع تنظيمات روافده. رابعاً: حل مجلس الشعب القومي ومجالس الشعب الإقليمية. خامساً: إعفاء حكام الأقاليم ومجالس الشعب الإقليمية. سادساً: يتولى قادة المناطق العسكرية في جميع أقاليم جمهورية السودان الديمقراطية سلطات حكام الأقاليم. سابعاً: يتولى وكلاء الوزارات المركزية ورصفاؤهم في الأقاليم تسيير دفة العمل التنفيذي في العاصمة القومية والأقاليم حتى إشعار آخر. كما أكد المشير عبد الرحمن سوار الدهب القائد العام للقوات المسلحة في جمهورية السودان أن السيادة في جمهورية السودان للشعب السوداني، كما أكد التزامه بالمواثيق والمعاهدات والاتفاقيات الثنائية والإقليمية والدولية والتمسك بالمباديء المضمنة في ميثاق الأممالمتحدة. ونشرت الأيام في عددها الصادر بتاريخ 7 أبريل بيان القوات المسلحة السودانية الذي تؤكد فيه أن السودان لن يحكم عسكرياً، وذلك من خلال نشر البيان رقم (4) للقوات المسلحة: قال تعالى: «إنّا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبينّ أن يحملنّها وأشفقنّ منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً». القوات المسلحة لا ترغب بأي حال من الأحوال في استبدال النظام الماضي بنظام عسكري يسلب الشعب حقوقه السياسية. وتصدرت انتفاضة 6 أبريل قائمة أخبار الإذاعات العالمية في يوم 7 أبريل. ü وكالة كونا قالت إن المشير سوار الدهب لم يذكر حتى الآن ما إذا كان يسمح لنميري بعد انهيار ثورة مايو، بالعودة إلى العاصمة الخرطوم بعد مروره بالقاهرة كما هو مقرر له بعد لقائه مع الرئيس مبارك. ü الإذاعة المرئية البريطانية الثورة الشعبية في السودان لا تشكل مفاجأة، لأن السودان توفرت فيه إرهاصات الثورة الشعبية من زمن طويل، وذكرت أن قوات الجيش السوداني والشرطة انضمت إلى جماهير الشعب السوداني الزاحفة على نظام نميري الذي كسب عداوة كل من حوله في كل الاتجاهات شمالاً وجنوباً. كما أكدت B.B.C أن عدداً كبيراً من بطانة نميري فروا من السودان وتخلوا عنه. ü وكالة الأنباء الكويتية نقلاً عن سفير السودان في كينيا أن الجيش السوداني استلم السلطة بصورة مؤقتة ريثما يتم نقلها للشعب. ü وكالة أنباء الجماهيرية الليبية أذاعت نجاح الثورة قائلة تمت الإطاحة بالنظام الديكتاتوري في السودان، كما أوردت نص بيان القوات المسلحة رقم (4). - وفي 8 أبريل خرجت الأيام بأهم ثلاثة قرارات بعد الانتفاضة وهي: - تصفية جهاز أمن الدولة. - اعتقال رجال مايو (سدنة مايو). - إطلاق سراح المعتقلين والسجناء السياسيين.