كل ما يتم اعتداء على السودان تتحدث قيادات المؤتمر الوطني عن الطابور الخامس والخونة والمندسين، وبالعودة إلى أحداث الهجوم على أم درمان من قبل حركة العدل والمساواة الغازية من دولة تشاد، كثرت الاتهامات عن الطابور الخامس حتى توهم البعض بأن الطابور الخامس مدسوس داخل الجيش وانتهت الأحداث ولم يعرف الطابور الخامس حينها، وعندما انقسمت الاتجاهات قبل ستة أعوام حول دخول قوات أممية لدارفور علت الأصوات كذلك حول الخونة والمندسين والعملاء المأجورين ولكن تم وقتها التعرف على تلك الفئة المتهمة من خلال تأييدها لدخول القوات الأممية وصاروا هم الخونة المأجورين والعملاء المندسين، والآن تجدد الحديث عن الخونة والطابور الخامس ولكن هذه المرة اتجه الاتهام نحو من رفض إدانة عدوان الجنوب على منطقة هجليج، وهذا اتهام في محله، فما من مواطن غيور على وطنه يرضى بتلك الانتهاكات أياً كانت مبرراتها، ومنذ الاعتداء على هجليج ظل مساعد رئيس الجمهورية دكتور نافع علي نافع يتحدث ويلمح إلى الطابور الخامس في كل خطاباته وأبان أن المكتب القيادي للمؤتمر الوطني كلف الأمانات ورؤساءالقطاعات بوضع خطة تفصيلية تتحدث عن الطابور الخامس بالاسم وليس تلميحاً بناء على ما يكتبون وما يقولون في اجتماعاتهم الخاصة كأحزاب وبعض منظمات المجتمع المدني التي وصفها بربائب الدوائر الغربية في الداخل والخارج، وأوضح أن هذا البرنامج سيكون برنامجاً لكل القوى الوطنية لفضح وكشف كل الذين يتعاملون مع الحركة الشعبية فى عدوانها على الشمال، وفي حال نجحت هذه الخطة في الكشف عن هذه الجموع يكون الوطن قد أخذ وقاية من كل القضايا التي تحتاج إلى علاج وأحياناً يستعصى علاجها بالداخل فنضطر إلى الاستعانة بمعالجين من الخارج لوضع حلول قد تكون عبئاً على الوطن والمواطن. وحديث دكتور نافع تبدو الإشارات واضحة فيه، إنها تستهدف بعض الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، وإذا انتهجت الدولة التي يحكم فيها دكتور نافع العقوبة الصحيحة ووضعت خطاً فاصلاً بين القضايا الوطنية والمنافسة السياسية والحزبية، ونفذت العقوبة الرادعة لهؤلاء الخونة لما وصل الحال لما عليه الآن، فالشعب أصبح لا يكترث بما تقوم به الحركات المسلحة المتمردة ومعاونوها تجاه الوطن، لأنه يعي تماماً بأنهم سيكونون غداً حكاماً عليهم عبر مقايضة بإعطاء مال ومناصب رفيعة في الدولة مقابل وضع السلاح، وأصبحت المعادلة من محاسبة وعقوبة إلى مكافأة وتحفيز، فكم ممن دمروا البلاد ونهبوا وسلبوا ويتموا ورملوا صاروا حكاماً دون خبرات ومؤهلات علمية، ثم عادوا إلى تمردهم بعد أن أضافوا إلى سيرتهم الذاتية تجربة ومنصب وربما يعودوا إلى مناصب أفضل بعد مشاركتهم في الهجوم على هجليج عبر مقايضة جديدة في الوقت الذي يقف فيه أصحاب الكفاءات والخبرات والمواقف الوطنية على الرصيف. الكشف عن الخونة والطابور الخامس يحتاج إلى وضع تعريف واضح (من هم الخونة وإلى من ينتمون وماذا يعملون وأين يتواجدون)، فهناك تخبط واضح في توجيه الاتهام لم ينجَ منه حتى الصحفيين الذين يتعاملون مع كل أطياف الشعب السوداني بغض النظر عن انتماءاتهم الفكرية والحزبية كما تقتضي عليهم مهنتهم، وأيضاً التعامل مع الطابور الخامس يتطلب إعادة صياغة في كيفية المحاسبة وتنفيذ العقوبة، فقد شدد دكتور نافع خلال مخاطبته الملتقى الأول لأمناء الزراع والرعاة للعام 2012م على ضرورة ترك المجاملات والطبطبة ومحاسبة المرجفين مباشرة دون رفع تقرير وأن يؤخذ كل مخذل وخائن حتى وإن كان من الآباء والأمهات، وهنا يختزل دكتور نافع الاشتباه والاتهام ويتجه للتنفيذ والحكم النهائي، ومن يستمع إلى حديث دكتور نافع من منتسبي المؤتمر الوطني قد يعتبروه تعليمات قابلة للتنفيذ، وهذا خطأ قانوني يعرض منفذه للمساءلة، لأنه ينفذ حكماً مناقضاً للقانون، وهذا الحديث يعيد للناس قوانين التسعينيات حول الشبهات التي ضاع ضحيتها العديد من الأبرياء، وكل متابع للازمات التي تعرضت لها البلاد يجدها منبعثة من السياسيين من أجل الصراع حول كرسي السلطة أو البقاء فيه، أما أفراد الشعب السوداني البسطاء فقد أثبتوا أنهم لا يحتاجون إلى من يحثهم على الوطنية والدفاع عن الوطن رغم ما يعانونه من جوع ومرض وبطالة، و أنهم وقفوا للدفاع عن وطنهم، ويظهر ذلك جلياً في لواءات المجاهدين التي هرولت إلى مناطق العمليات، وقوافل الدعم الغذائي والصحي التي استقطعوها من بيوتهم الشحيحة لدعم القابضين على الزناد.