مرة قالت لي زوجتي لماذا لم تكتب قصيدة عني؟.. وبالفعل كان سؤالها موضوعياً فهي الشريكة الإستراتيجية التي ظللت (أصابحها وأماسيها) لثلاثين عاماً بالتمام توزعت هذه السنوات أماكن كثيرة منها الكلاكلة- الفتيحاب- الجريف- القاهرة- تورنتو- دبي- الدوحة ثم أخيراً حي الفردوس. ولما كان الإسراف في كثرة الأبيات الشعرية مذموماً إذا كان الشعر يخص الزوجة. رأيت أن أكتب بيتاً واحداً باللغة العامية على أن يكون حمالاً لكل الأوجه والمعاني وبسيطاً في الحين نفسه فكتبت: الحياة من غير سعاد زي تكون ماشي الصحافة وتلقى نفسك في المزاد. ورغم اقتناعي الكامل بركاكة هذا الشعر و(حلمنتيشيته) إلا أنني بت على قناعة هذه الأيام بأنه شعر (رؤياوي) كما يقول النقاد البنيويون وكذلك (فضائي) كما يذهب فيصل دراج ولكن الأهم انه (استشرافي) كما ذهب النقاد الكبار أمثال عز الدين إسماعيل وسلمى الخضراء الجيوشي ود. مصطفى هداره عندما توصلوا لحقائق استشرافيات السياب وصلاح عبد الصبور ونازك الملائكة والبياتي. وتأتي قدرة أبياتي الركيكة لحرمنا المستدامة في أنها تجاوزت حالة زوجين إلى حالة بلد. واستطيع القول إنها أبيات تجاوزت في عمق معناها ما قاله عزيز اندراوس عن السودان. كل امرئ يحتل في السودان غير مكانه المال عند بخيله والسيف عند جبانه يأتي تفوقي على عزيز اندراوس من أن الأخير كتب هذا الشعر وهو غاضب، أما أنا فقد أسلسته وأنا أسخر، فتأكد أن الحياة في السودان لا تقبل التخطيط ولا تتعامل مع البرمجة وهي ضد الوقت وتحديد الهدف فعادي جداً أن تكون ذاهباً للصحافة غير أنك تجد نفسك في المزاد على أثر محادثة تلفونية تغير اتجاهك وتقودك لمنطقة لم تكن تنوي الذهاب إليها. هذا ما يحدث لي هذه الأيام وأنا في حضن هذا البلد المستعذب العبق أنوي الذهاب لعادل الباز أجد نفسي في جبل أولياء. أكون قد تهيأت لغداء سمك مع ضياء الدين بلال أجد نفسي على حواف الكدرو أتناول أكلاً مختلفاً، أتهيأ للذهاب لشقيقاتي أجد نفسي وسيطاً لحل خلاف في منطقة لا علاقة لها بالكلاكلة، أتربص بالكتابة يطرق الباب أحاول كتابة (عمودي) أجد نفسي أمام (ترمسة) وهكذا فلا تؤاخذوني إذا طالعتم (يحتجب اليوم).